سجل الاقتصاد الياباني انكماشاً بمعدل أعلى من المتوقع خلال الربع الأول من العام الجاري، في ظل استمرار ضعف الاستهلاك المحلي والطلب الخارجي، ما يشكل تحدياً أمام خطط بنك اليابان لتشديد سياسته النقدية الميسرة ورفع أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية القريبة من الصفر.

وأظهرت البيانات الصادرة عن مكتب مجلس الوزراء يوم الخميس انكماش الناتج المحلي الإجمالي لرابع أكبر اقتصادات العالم بنسبة 2 في المئة على أساس سنوي خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، فيما جاء أعلى من توقعات المحللين البالغة 1.5 في المئة.

وعلى المستوى الفصلي، تراجع الناتج المحلي بواقع 0.5 في المئة مقارنة بالربع الأخير من عام 2023، فيما تجاوز تقديرات الخبراء البالغة 0.4 في المئة.

ضعف الاستهلاك.. صداع في رأس اليابان

وسجل الاستهلاك الخاص، الذي يمثل أكثر من نصف الاقتصاد الياباني، رابع تراجع فصلي له على التوالي منكمشاً بنسبة 0.7 في المئة خلال الربع الأول من العام، فيما يُعد أطول سلسلة انكماش له منذ 2009.

في الوقت نفسه، تراجع الإنفاق الرأسمالي، الذي يمثل الحافز الأكبر للطلب الخاص، بنحو 0.8 في المئة على الرغم من الزيادة الكبيرة في إيرادات المؤسسات.

كما انخفضت الصادرات بنسبة 0.5 في المئة في الربع الأول بعد ارتفاعها بـ2.8 في المئة في الربع السابق، بينما تراجعت الواردات بنحو 3.4 في المئة خلال الفترة ذاتها.

تجدر الإشارة إلى أن النمو الياباني تأثر سلباً بالزلزال العنيف الذي ضرب منطقة نوتو في يناير كانون الثاني الماضي، والذي أسفر عن توقف العمليات في مصنع دايهاتسو التابع لشركة تويوتا، ويتوقع المراقبون أن يبدأ هذا التأثير في التراجع خلال الربع الثاني من العام.

ويراهن المشرعون النقديون حالياً على زيادة الأجور وتخفيضات ضريبة الدخل التي ستبدأ اعتباراً من يونيو حزيران المقبل لدعم الاستهلاك.

تراجع الين يضغط على المستهلكين

لكن استمرار تراجع الين يمثل تحدياً أمام تلك الآمال، إذ يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتقويض القوة الشرائية للمستهلكين، وبالتالي انكماش مستوى الإنفاق الاستهلاكي.

ويحوم الين حالياً حول أدنى مستوياته منذ عام 1990 مقابل الدولار الأميركي، ما يمثل تحدياً كبيراً لدولة تعتمد على الاستيراد لتأمين جزء كبير من احتياجاتها من الغذاء والطاقة، فصعود الدولار مقابل الين يرفع أسعار السلع الاستهلاكية الأساسية ويمثل عبئاً إضافياً على ميزانية الأسر والأفراد.

ويعود السبب الرئيسي في هبوط الين مقابل الورقة الخضراء إلى التفاوت الكبير بين أسعار الفائدة في كل من الولايات المتحدة واليابان.

فمنذ عام 2022، انخرط مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في أطول جولة من التشديد النقدي في تاريخه، ما أدى لرفع أسعار الفائدة الأميركية إلى أعلى مستوياتها في نحو 23 عاماً، إذ تتراوح حالياً بين 5.25 و5.50 في المئة.

في المقابل، عكف بنك اليابان على تنفيذ أعنف برنامج للتيسير النقدي في التاريخ الحديث منذ عام 2007، بينما حافظ على سياسة الفائدة السلبية لثماني سنوات متواصلة.

وفي قرار تاريخي، قرر المركزي الياباني في مارس آذار الماضي رفع سعر الفائدة للمرة الأولى منذ عام 2007، وإن ظلت عند مستويات قريبة من الصفر (بين 0 و0.1 في المئة)، متخلياً عن سياسة الفائدة السلبية لأول مرة منذ عام 2016.

لكن من المتوقع أن يتريث البنك في التخلي عن سياساته المالية فائقة التيسير في ظل الوضع الاقتصادي الهش.

يُشار إلى أن الاقتصاد الياباني تخلى عن موقعه كثالث أكبر اقتصادات العالم لصالح ألمانيا العام الماضي، ليتراجع إلى المركز الرابع على القائمة، متأثراً بعقود من الركود الاقتصادي وضعف الاستهلاك.