يواصل النفط الروسي محاولة إيجاد طريقه إلى المشترين حول العالم، فمع تصاعد العقوبات الغربية ضد روسيا جرّاء حرب أوكرانيا، انضم عدد من السفن لتكوين أسطول «ظل» من ناقلات النفط على استعداد لتسهيل تصدير الخام الروسي.

يضم هذا الأسطول نحو 600 ناقلة، أي ما يعادل نحو عشرة في المئة من إجمالي عدد الناقلات في العالم، وهو في ازدياد، بينما لا تزال هوية من يمتلك ويدير هذا الأسطول «الغامض» مبهمة.

ولأن تجارة النفط الروسي أصبحت أكثر تعقيداً خلال العام الماضي، فقد انسحبت ناقلات النفط الغربية، ما أتاح الفرصة أمام شركات وهمية في الشرق الأوسط وآسيا للعمل في مجال النقل، إما عن طريق شراء السفن من أوروبا، أو استغلال سفن بالية كان سينتهي بها المطاف في ساحات الخردة.

وقال مسؤول تنفيذي كبير في شركة لتداول النفط، متحدثاً مع CNN، «بات الأمر أقرب إلى فنون السحر الأسود»، مشيراً إلى تلك الشبكة الغامضة.

وازدادت أهمية الأسطول، الذي يراقب المحللون تحركاته، مع محاولة موسكو تجنب العمل مع شركات الشحن الغربية، حتى بعد استبدال التعامل مع الشركات الأوروبية بأخرى من الصين والهند، إذ باتت جميع الأطراف الآن محظورة من شراء النفط الروسي المنقول بحراً والمنتجات المكررة مثل الديزل.

لذلك أصبحت عملية التسليم للعملاء الأبعد تتطلب ناقلات إضافية، وبات أصحاب الناقلات مستعدين للتعامل مع مزيد من التعقيد الإضافي والمخاطر القانونية، خاصة بعد أن فرضت مجموعة الدول السبع سقفاً لأسعار النفط الروسي.

ويسلط تنامي حجم هذا الأسطول الضوء على التغيرات الجذرية التي أحدثتها الحرب الروسية الأوكرانية في سوق النفط العالمية، فلكي تستمر روسيا، ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط الخام في العالم، في التصدير أعادت تشكيل أنماط التداول المعهودة منذ عقود، وانقسمت منظومة الطاقة العالمية إلى شطرين.

وقال ريتشارد ماثيوز رئيس الأبحاث في «إي ايه جيبسون» لسمسرة السفن، «هناك أسطول لا يقوم بأي أعمال لروسيا، وأسطول لا يعمل إلا لصالح روسيا تقريباً»، وأضاف أن عدداً قليلاً فقط من الناقلات يقوم بكلا النشاطين.

«سفن رمادية» و«سفن مظلمة»

مع استغناء أوروبا عن النفط الروسي، عززت الصين وارداتها منه إلى 1.9 مليون برميل يومياً في المتوسط في 2022، بزيادة 19 في المئة عن 2021، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، وزادت الهند مشترياتها بنسبة 800 في المئة، لتصل إلى 900 ألف برميل يومياً في المتوسط.

وسجلت صادرات النفط الروسية إلى الصين والهند مستويات قياسية في يناير كانون الثاني، بعد أن دخل الحظر الأوروبي على النفط الروسي المنقول بحراً حيز التنفيذ، وفقاً لشركة «كبلر» لتحليل البيانات، كما استمرت الصادرات إلى تركيا، وهي عميل رئيسي هام، على قدم وساق، (لم يبدأ الحظر على المنتجات النفطية المكررة حتى فبراير شباط).

لذلك يتطلب استيفاء كل ذلك الطلب وجود سفن وناقلات جديدة، كما أن الأسطول الوطني الروسي ليس به عدد كافٍ من السفن، وهنا يأتي دور «أسطول الظل».

صنّف ماثيو رايت، كبير محللي الشحن في «كبلر»، ناقلات الخام الروسي إلى فئتين؛ «سفن رمادية» و«سفن مظلمة».

«السفن الرمادية» هي سفن باعها مالكوها الأوروبيون إلى شركات في الشرق الأوسط وآسيا لم تكن نشطة سابقاً في سوق النقل، أما «السفن المظلمة» فسفن استُخدمت في نقل الخام الإيراني والفنزويلي لتجنب العقوبات الغربية، وحولت نشاطها مؤخراً إلى نقل الخام الروسي.

قال رايت عن السفن «المظلمة» إن هناك بعض الأدلة على أنهم كانوا «يخفون أنشطتهم عن طريق إيقاف تشغيل جهاز التتبع اللاسلكي»، في إشارة إلى التكنولوجيا التي تساعد في تحديد مواقع السفن.

وفي حين حظرت الدول الغربية معظم واردات النفط الروسية، لا توجد أي إجراءات تمنع السفن الغربية من التسليم لمشترين مثل الصين والهند، أو من تقديم خدمات مثل التأمين، ما دامت الأطراف تحترم سقف الأسعار المفروض من مجموعة السبع.

ووفقاً لكبلر، شكّلت السفن التي يملكها أوروبيون 36 في المئة من تجارة الخام الروسي في يناير كانون الثاني.

وقال جانيف شاه، كبير المحللين في شركة «ريستاد إنرجي» الاستشارية، «الأسطول المظلم، الذي كان ينقل النفط الفنزويلي والإيراني عالمياً، زاد كما توقعنا».

أحد الأسباب وراء ذلك هو أن إرسال النفط الروسي في رحلات أطول إلى الصين أو الهند يُعدُّ أقل كفاءة من شحنه إلى بلدان مجاورة مثل فنلندا، وتحتاج روسيا الآن إلى أربعة أضعاف قدرة الشحن لخامها مما كانت عليه قبل الغزو، وفقاً لشركة «إي أيه جيبسون».

نتيجة لذلك، يُباع ما يقدر بنحو 25 إلى 35 سفينة شهرياً في «أسطول الظل»، وفقاً لمسؤول تنفيذي كبير آخر في شركة لتجارة النفط، وتقدر منظمة «غلوبال ويتنيس»، وهي منظمة غير ربحية، أن ربع مبيعات ناقلات النفط بين أواخر فبراير شباط 2022 ويناير كانون الثاني من العام الحالي تضمنت مشترين مجهولين، أي ضعف نسبة العام السابق تقريباً.

وقد يزداد الطلب في الأشهر المقبلة إذا احتاجت الصين إلى مزيد من الوقود لدعم انتعاشها الاقتصادي.

أسئلة ومخاطر محتملة

إذا استُخدمت النسبة الكُبرى من الأسطول العالمي لنقل الخام والمنتجات البترولية الروسية، فإن ذلك يستهلك كامل القدرة الاستيعابية لسوق النقل البحري، ويرفع التكاليف على جميع تجار النفط.

وقال رايت من شركة «كبلر» إنه «أصبح هناك درجة هائلة من عدم الكفاءة في الطريقة التي تعمل بها سوق الناقلات».

وهناك أيضاً تساؤلات بخصوص من يدير أسطول الظل هذا، ويشك البعض في أن جزءاً من شركات الواجهة تلك تربطه روابط مع «الدولة الروسية أو لاعبين سياسيين من أصحاب العلاقات المهمة»، حسبما ذكره سيرجي فاكولينكو، المسؤول التنفيذي السابق في شركة نفط روسية، والباحث غير المقيم في مركز كارنيجي للسلام الدولي.

وعلاوةً على ذلك، قال خبراء إن أسطول الظل ربما يسهل لروسيا تفادي العقوبات أو بيع نفطها فوق السقف السعري، كما أنه يجعل من الصعب تحديد سعر مبيعات النفط الروسية بالضبط، ويقول خبراء من بينهم فاكولينكو، إنهم عثروا على أدلة في البيانات الجمركية بأن خام الأورال، خام النفط الروسي القياسي، يباع بسعر أعلى كثيراً في موانئ رئيسية مقارنة مع مؤشرات الأسعار الرسمية.

والسلامة مبعث مقلق أيضاً؛ إذ يُعتقد أن الأسطول يضم مجموعة كبيرة من السفن التي يزيد عمرها على 15 عاماً، وهو العمر الذي عادة ما تستغني فيه شركات النفط عن سفنها بسبب التلف، لكنها أصبحت تبحر الآن في جميع أنحاء العالم.

وقال ماثيوز من شركة «إي ايه جيبسون» إن كل هذه السفن «التي ربما لم تخضع للصيانة وفقاً لمعايير السلامة والأمان، تزيد من احتمالية حدوث تسرب أو حوادث كبيرة مع نمو هذا الأسطول».

(جوليا هورويتز- CNN)