يبدأ بنكا «الأهلي» و«مصر» -أكبر بنكين حكوميين في مصر- وقف طرح شهادات ادخار بعائد هو الأعلى في السوق المصري نهاية الشهر الجاري، بعد أقل من شهر على طرحها بعد أن جذبت أكثر من 445 مليار جنيه مصري (أكثر من 14.8 مليار دولار).

وتمنح إحدى الشهادات عائداً نسبته 25 في المئة لمدة عام يصرف في نهاية المدة، فيما تمنح الشهادة الأخرى عائداً بنسبة 22.5 في المئة لمدة عام يصرف شهرياً.

وجذبت الشهادات 285 مليار جنيه مصري (أي ما يعادل 9.5 مليار دولار) منذ طرحها في «البنك الأهلي» حتى الآن، حسبما قال يحيى أبوالفتوح نائب رئيس «البنك الأهلي» لـ«CNN الاقتصادية».

وكان البنك أعلن أن الشهادات الجديدة أسهمت في دخول 62 ألف عميل جديد، بحسب بيان صادر عنه الأسبوع الماضي.

بينما جذبت شهادة «بنك مصر» 160 مليار جنيه (أي ما يعادل 5.3 مليار دولار) منذ طرحها، وفقاً لآخر بيانات أعلنها البنك.

لماذا توقف الإصدار؟

«وصل البنكان إلى غرضهما من طرح الشهادات الادخارية، وهو سحب السيولة المحلية وجذب عملاء جدد لخفض التضخم»، حسبما تشرح الخبيرة الاقتصادية ونائبة رئيس «بنك مصر» السابقة، سهر الدماطي لـ«CNN الاقتصادية».

ويؤيدها الخبير الاقتصادي أحمد شوقي، الذي قال بدوره إن الهدف من طرح الشهادات كان سحب السيولة المحلية لكبح التضخم المرتفع في مصر.

وارتفع معدل التضخم السنوي في المدن إلى 21.3 في المئة خلال ديسمبر كانون الأول، وهو أعلى مستوى منذ نهاية عام 2017، فيما بلغ معدل التضخم خلال العام الماضي 15.9 في المئة مقارنة بمعدل بلغ 6.4 في المئة في عام 2021، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء في مصر.

وأوضح شوقي أن الشهادات توفر عائداً مرتفعاً للعملاء في ظل ارتفاع التضخم، ما يساعدهم في تعويض ارتفاع الأسعار.

وقال شوقي إن «تحجم السوق الموازي للدولار في مصر كان هدفاً للشهادة، لأن العائد على الدولار أصبح أقل مقابل العائد على الجنيه حالياً ما يشجّع العملاء على بيع الدولار والحصول على عائد مرتفع بالجنيه المصري».

وكان سوق الدولار الموازي قد انتعش خلال الأشهر الماضية مع التراجع المستمر للعملة المحلية مقابل العملة الخضراء، ويشهد حالة من الترقب منذ أسابيع، إذ بلغ سعر الدولار نحو 31.5 جنيه حالياً مقارنة ما بين 32 جنيهاً و34 جنيهاً للدولار الواحد خلال شهر ديسمبر كانون الأول، فيما يبلغ السعر الرسمي للدولار في البنوك نحو 29.9 جنيه، بحسب متعاملين في السوق الموازي.

ولجأ البنكان الحكوميان الأكبر في مصر إلى وقف الشهادة قبل مرور شهر على طرحها نظراً لتكلفتها المرتفعة على البنكين، بحسب ما يقول الخبيران الاقتصاديان.

وتقول الدماطي إن «تكلفة الشهادة على البنكين مرتفعة نظراً للعائد الكبير الذي يدفعه البنك للعميل، وكل بنك يحسب كيف يمكنه توظيف هذه الأموال بما يسمح له بسداد العائد دون الإضرار بأرباحه».

وأوضحت أن البنوك تموّل هذا العائد من الفائدة على القروض والعمولات والمصاريف الإدارية التي تفرضها على المعاملات البنكية.

وبحسب الدماطي، فإن متوسط الفائدة على الشهادات الادخارية في السوق المصري يبلغ حالياً نحو 17.5 في المئة، وهو ما يعني أن عائد الشهادات الموقوفة أعلى بنحو 7 في المئة أو 8 في المئة عما هو متداول في السوق المصرفي المصري.

كما تلجأ البنوك للاستثمار في أدوات الدين الحكومية التي تطرحها وزارة المالية المصرية، لتمويل هذا العائد المرتفع، لكنه لن يأتي بمعدل مرتفع يغطي ما تمنحه من نسبة 25 في المئة، بحسب شوقي.

وتبيع الحكومة المصرية أدوات الدين بعائد تخطى 21.5 في المئة منذ نحو أسبوعين بعد أن رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 3 نقاط مئوية نهاية الشهر الماضي. ويخصم من هذا العائد نحو 1.5 في المئة ضرائب على الاستثمار في أدوات الدين، ما يعني أنها تمنح عائداً بمقدار 19 في المئة.

وقال شوقي «إن السؤال الأبرز منذ طرح هذه الشهادات هو إلى متى يمكن للبنوك تحمل هذه الزيادة الكبيرة في العائد».

ورغم أن البنكين الحكوميين سيوقفان إصدار الشهادة نهاية الشهر الجاري، فإن بنوكاً خاصة عدة في مصر بدأت مؤخراً طرح شهادة مرتفعة العائد بنسبة 22.5 في المئة لأجل عام ونصف.

وبحسب شوقي، فإن دخول بنوك أخرى لطرح شهادات بعائد مرتفع يأتي للحصول على شريحة من هذا الوعاء الادخاري، مشيراً إلى أن كل بنك أجرى حساباته وعلم بالتأكيد أنه يستطيع تحمل هذه التكلفة المرتفعة.

هل من مزيد؟

لا يكاد يخلو حديث المصريين خلال الأيام الماضية من إمكانية أن تطرح البنوك شهادات ادخار بعائد أعلى من 25 في المئة في ظل ارتفاع معدلات التضخم.

تقول الدماطي «إن هذا الأمر كان من الممكن أن يحدث من قبل، لكن الآن تشير التوقعات إلى أن معدل التضخم سيتراجع في النصف الثاني من العام الجاري، إضافة إلى أن التدفقات الدولارية بدأت تعود إلى مصر ومن ثم توقفت المضاربات على الدولار في السوق الموازي».

وتتوقع ورقة بحثية لـ«أس أند بي غلوبال ماركت إنتليجنس» أن يبلغ معدل التضخم السنوي 25 في المئة في الربع الأول من العام الجاري على أن ينهي العام ما بين 17.5 و18 في المئة.

وبحسب شوقي، فإنه «لكي تطرح البنوك شهادات بأكبر من الموجود حالياً عليها أن تنظر إلى بيانات التضخم، والبنك المركزي يعلم جيداً أن التضخم الموجود حالياً مؤقت».

وأضاف «العائد الموجود حالياً في القطاع المصرفي هو الأعلى، وإذا نظرنا للظروف المماثلة عندما بلغ معدل التضخم 34 في المئة في أعقاب تعويم الجنيه في 2016 كان أعلى معدل عائد يقدم على شهادات الادخار هو 20 في المئة”.