يشهد الاقتصاد العالمي تحديات مثيرة للاضطراب، فالتضخم هو الأعلى منذ عقود والضغوط مرتفعة على موازنات واقتصادات معظم الدول مع ارتفاع تكلفة المعيشة، وسط استمرار نزاع روسيا مع أوكرانيا ووباء كوفيد-19 الذي طال أمده.

كل ما سلف من عوامل سلبية سيكون له تأثير مباشر على الآفاق الاقتصادية في 2023، لذا فمن المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي من 6 في المئة في 2021 إلى 3.2 في المئة عام 2022 و2.7 في المئة في 2023.

كما يتوقع أن يرتفع التضخم العالمي من 4.7 في المئة في 2021 إلى 8.8 في المئة في 2022، لكنه سينخفض إلى 6.5 في المئة في 2023، بحسب ما ذكره تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الذي يعدّه خبراء صندوق النقد الدولي، وسط توقعات بأن يستمر لفترة أطول في حال واجهت الأسواق العالمية المزيد من صدمات أسعار الطاقة والغذاء.

ومع احتمال ارتفاع نسب الفائدة قد تنتشر أزمة الديون في الأسواق الناشئة على نطاق واسع، في حين قد يؤدي ظهور كوفيد-19 من جديد (أو المتحورات الجديدة) أو المخاوف الصحية العالمية الجديدة إلى إعاقة النمو.

لا، بل من الممكن أن تمتد أزمة قطاع العقارات في الصين إلى القطاع المصرفي المحلي، وتتسبب في انكماش الاقتصاد الصيني بشدة، ما ستكون له انعكاسات سلبية على النشاط الاقتصادي العالمي، وقد يؤدي إلى تدهور معنويات المستثمرين المنخفضة بالفعل وتثبيط أداء الأسواق المالية.

من جهة أخرى، تشير نماذج التغير المناخي إلى زيادة وتيرة الظواهر الجوية المتطرفة، الأمر الذي من شأنه أن يضاعف التحدي.

فقد ساهمت موجات الجفاف الشديدة وموجات الحر في أوروبا والصين والهند والولايات المتحدة في العام الماضي في ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية اليوم، وقد يؤدي ذلك إلى اضطرابات اجتماعية إذا استمرت هذه الضغوط، وبالأخص إذا فاق التضخم نسبة زيادات الأجور.

وعلى صعيد التوترات الجيوسياسية فهي بدورها آخذة في التصاعد.

وقد يكون أبرزها الوضع في تايوان، وما له من تأثيرات على صناعة أشباه الموصلات التي تعتمد عليها سلاسل التوريد العالمية.

ويجمع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي، كل المخاطر الآنفة، بالإضافة إلى هشاشة سلسلة التوريد، والهجمات الإلكترونية، واختناقات النقل والتوزيع، ونقص المواد الخام والسيولة المالية، ليخلص إلى أن ميزان المخاطر العالمية يميل بقوة إلى الجانب السلبي.

لكن على الرغم من كل هذا نمت اقتصادات دول الخليج العربي في عام 2022، حيث تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي مجتمعة تريليونَي دولار، ما يجعله تاسع أكبر ناتج محلي إجمالي على مستوى العالم.

لا، بل رفع صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته بشأن معدلات النمو في دول الخليج العربي للعام المقبل.

من المؤكد أن ارتفاع أسعار النفط قد ساهم في هذا الاتجاه المعاكس لهذه الدول، لكن البلدان الأخرى المصدرة للنفط لم تحقق أداء جيداً، ما يشير إلى وجود عوامل مؤثرة أخرى إيجابية في المنطقة.

ولهذا قد تكون خطط التعافي والنمو الاقتصادي الطموحة لدول الخليج الأسباب الرئيسية للتحسن، كالمشاريع العملاقة لـ«رؤية السعودية 2030»، واستضافة دولة الإمارات العربية المتحدة لكبرى الفعاليات العالمية مثل «إكسبو 2020»، فضلاً عن استثمارات كأس العالم 2022 في قطر، ما ساهم في تحقيق النمو غير المسبوق.

وبالنتيجة، من المتوقع أن ينمو اقتصاد المملكة العربية السعودية، وهو الأكبر في العالم العربي، بنسبة

8.3 في المئة في عام 2022 ونحو 3.7 في المئة في 2023، بعد أن حققت المملكة نمواً في ناتجها الإجمالي المحلي هو الأعلى في العالم عام 2022.

كما تشير التقديرات إلى أن الإمارات العربية المتحدة، ثاني أكبر اقتصاد في العالم العربي، سينمو بنسبة 5.9 في المئة في عام 2022 ونحو 4.1 في المئة في عام 2023، وفقاً للبنك الدولي.

ومن هنا يدرك الكثيرون في دول الخليج العربي أن هذه فرصة ثمينة ونادرة للتنويع الاقتصادي وبناء مستقبل يتجاوز الاعتماد على النفط، وربما إحدى آخر الطفرات في أسعار النفط وفقاً لبعض المحللين.

وفي حين يتطلب التحول الاقتصادي رأسَ مالٍ ومهارات للاقتصاد الجديد، وأنظمة حوكمة ديناميكية في كل من القطاعَين الخاص والحكومي، إلى جانب المشاريع الضخمة في البنية التحتية والطاقة المتجددة وتكنولوجيا المعلومات، لا بد للمنطقة من استثمارات أضخم في البنية الناعمة لبناء المهارات والقدرات ومؤسسات البحث والتطوير ورأس المال المعرفي، ليكون الوقود الحقيقي للمستقبل.

( المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي CNN الاقتصادية)