على الرغم من مستويات التضخم التاريخية، لا يزال الأميركيون ينفقون، لا على الضروريات فحسب، لكن أيضاً على فواتير المطاعم الباهظة وتذاكر السفر وغيرها من الأنشطة التي حُرموا من تأديتها أثناء الوباء.

ومع استمرار ارتفاع الأسعار وتقلص المدخرات، توقع الاقتصاديون أن يتراجع الإنفاق، وبدت هذه التوقعات ممكنة خلال نوفمبر تشرين الثاني وديسمبر كانون الأول حين أظهرت البيانات تراجع الاستهلاك خلال موسم العطلات، إلى أن حل يناير كانون الثاني وخيب الآمال من جديد بتقارير مبيعات التجزئة و إنفاق المستهلكين القوية وغير المتوقعة.

وأظهر الأميركيون أنهم إذا امتلكوا المال فحتماً سينفقونه، وفق شانون سيري الخبيرة الاقتصادية ونائبة رئيس شركة «ويلز فارجو» للخدمات المالية، التي قالت «أعتقد أن تراجع المستهلكين عن الإنفاق سيتطلب تدهور سوق العمل».

وتتوقع كايلا برون، المحللة الاقتصادية في شركة «مورنينغ كونسلت»، أن تشهد البيانات تراجعاً جديداً وأرجعت ذلك إلى «مقدار المدخرات التي تم استهلاكها، وارتفاع استخدام البطاقات الائتمانية» وأضافت «لا يمكن أن يستمروا في الإنفاق بما يفوق قدراتهم».

رد فعل الفيدرالي

ويرى تيد روسمان، كبير محللي الصناعة في «بنك ريت»، أن الاستهلاك الشره في هذا الوقت سلاحٌ ذو حدين، وقال «ربما تكون مرونة الإنفاق الاستهلاكي هي أهم أسباب تأجيل الركود»، وأضاف «في بعض النواحي، يعد هذا جيداً للاقتصاد، لكننا نخشى أن ينفق الناس بشكل قد يوقعهم في مشكلات».

تؤثر قوة سوق العمل بالفعل على زيادة معدلات الإنفاق، ويتوقع مسؤولو الفيدرالي أن معدلات التضخم لن تنحسر قبل أن تنخفض بيانات التوظيف، وهذا يعني أن استمرار الوضع كما هو عليه سيؤثر على قرارات الفيدرالي، الذي كان قد خفف من حدة ارتفاعات الفائدة.

فيما قالت سيري «ليس بالضرورة أن يرفع الفيدرالي الفائدة بحدة أكبر من المتوقعة، لكنه قد يستمر في الرفع لمدد أطول»، وتتوقع سيري أن يرفع الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماعيه المقررين في مارس آذار ومايو أيار، ثم التوقف لفترة مؤقتة، وأشارت إلى أن تحركات الفيدرالي خلال 2022 لا تزال لها تأثيرات لم تظهر بعد.

تأثير الوباء

يبدو أن الوباء ترك بصمته على سلوك المستهلكين، بحسب أستاذة التسويق بجامعة بنسلفانيا كيت لامبرتون، إذ لاحظت المزيد من «تحولات مسارات الإنفاق»، وتعويض الفرص الضائعة خلال الوباء، وقالت «أعتقد أن لدى الناس ميلاً إلى زيادة الاستهلاك من ناحية والتذمر من ارتفاع الأسعار من ناحية أخرى»، وأضافت «أعتقد أن الناس أدركوا خلال أوقات الوباء الصعبة، أن هناك أولويات».

وفيما تقول البيانات إن إنفاق المستهلكين يزداد بشكل عام، إلا أنهم يُظهرون سلوكيات تسوق توحي بالركود في محال البقالة والسلع الأساسية، يلاحظ تجار التجزئة ذلك، ويستعدون بالفعل لعام مليء بالمطبات، وأصدرت شركة «وول مارت» لتجارة التجزئة توقعات اقتصادية أكثر حذراً، متوقعة أن يضغط التضخم بشكل أكبر على محدودي الدخل، كما حذرت «هوم ديبوت» لتجارة معدات وأدوات تحديث المنازل من ثبات المبيعات لعام 2023، حيث يواصل المستهلكون تحويل الإنفاق من السلع إلى الخدمات.

تبعات غير مطمئنة

سجلت ديون الأسر الأميركية رقماً قياسياً بلغ 16.9 تريليون دولار خلال الربع الأخير، وازدادت أرصدة بطاقات الائتمان بنحو 6.6 في المئة، وهي أعلى زيادة ربع سنوية منذ بداية تتبع الفيدرالي للبيانات عام 1999.

وتظهر نتائج مسح أجرته «بنك ريت» أن مدخرات المستهلكين آخذة في النفاذ، إذ قال 49 في المئة من البالغين إنهم يحتكمون على مدخرات أقل من العام الماضي، أو لا يملكون مدخرات على الإطلاق، كما قال 36 في المئة من المشاركين في المسح إن ديون البطاقات الائتمانية الخاصة بهم فاقت مدخراتهم للطوارئ، وتعتبر تلك نسبة قياسية منذ اثني عشر عاماً، فهناك قلق متزايد من تفاقم الموقف مع انتهاء برامج المساعدات التي تلت فترة الوباء.

وأشار باحثو بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك إلى أن إنهاء المهل المؤقتة لسداد الطلاب الفيدراليين الحاليين لقروضهم لا يمكن أن يؤدي فقط إلى زيادة حالات التأخر في سداد قروض التعليم، بل يمتد أيضاً إلى تأخير سداد أرصدة بطاقات الائتمان وقروض السيارات أيضاً.

وقال مارك هامريك، كبير الخبراء الاقتصاديين في «بنك ريت» إن فوائد بطاقات الائتمان هي الأعلى منذ بداية متابعة «بنك ريت»، ولكن على جانب آخر ارتفعت عوائد المدخرات لتبلغ مستويات قياسية.

كتبت- أليسيا ولالس (CNN)