من الشائع القول إن دول الخليج لا تملك من عوامل الجذب السياحي ما تملكه دول أخرى بالمنطقة اقتحمت القطاع مبكراً؛ فالطبيعة الصحراوية والطقس الحار ليسا عوامل مواتية للترويج لدول الخليج كوجهات سياحية عالمية؛ تاريخياً على الأقل.

وعلى الرغم من ذلك، نجحت دول الخليج في تشييد سمعة سياحية، تفوقت بها من حيث أعداد السائحين وحجم العوائد الاقتصادية، حتى على وجهات عريقة مثل مصر وتونس ولبنان.

ففي 2019، آخر عام قبل جائحة كورونا التي عصفت بالقطاع السياحي عالمياً وإقليمياً، حققت الإمارات إيرادات سياحية تتخطى 38 مليار دولار والسعودية 19.85 مليار دولار، بينما سجل القطاع السياحي بمصر 14.26 مليار دولار، وفي الأردن 6.76 مليار دولار

كيف حققت دول الخليج ذلك في زمن قياسي؟

أدركت القيادات الخليجية نقاط قوتها واستغلتها، فعبأت الثروات الناتجة عن إيراداتها النفطية، وفي سعيها لتنويع موارد اقتصاداتها بدلا من الاعتماد على الخام، فخلقت عوامل جذب خاصة بها، وبدأت في الترويج لنفسها برؤية جديدة مدعومة باستثمارات ضخمة.

واهتمت الإمارات على وجه الخصوص بإبراز نفسها كنافذة العالم على المستقبل، فبتشييد دبي برج خليفة – أطول ناطحة سحاب في العالم – وبسيل لا ينقطع من الأخبار عن منجزات غير مسبوقة، مثل افتتاح أول مقهى يعمل بالروبوت على مستوى العالم، وإنشاء أول مسجد بخاصية الطباعة ثلاثية الأبعاد، تصنع الإمارات لنفسها معالم جذب سياحية لا تتعلق بالماضي، بل بالمستقبل. وإلى جانب هذا تروج الإمارات لنفسها كوجهة للرفاهية بفنادقها الفخمة ومتاجرها الفارهة.

أما السعودية، فتستخدم عامل التنوع الحضاري وتسعى لجذب الزوار بأنشطة متنوعة. فبقدراتها الاستثمارية الضخمة، دشنت المملكة موسمي الرياض وجدة، لتخطف الأنظار بكم هائل من الأنشطة والعروض الترفيهية. وقد حصل موسم الرياض في 2021 على شهادة من موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأكبر حدث ترفيهي في العالم.

واتجهت السعودية أيضا إلى استضافة أحداث رياضية دولية، مثل رالي داكار وسباق فورمولا 1 وكأس السوبر الإسباني وكأس السوبر الإيطالي.

ولم يكن استضافة الفعاليات الرياضية العالمية حكرًا على السعودية بأي حال. فبإنشاءات ضخمة تجاوزت تكلفتها 229 مليار دولار، نجحت الاستضافة القطرية لكأس العالم لكرة القدم 2022 في لفت أنظار العالم إلى البلد الصغير، الذي استقبل أكثر من 23 مليون سائح خلال البطولة.

لم تستثمر قطر هذا المبلغ الضخم فقط لإنشاء الملاعب الفاخرة، بل أقامت مطاراً ضخماً وفنادق فخمة ومدينة متكاملة (لوسيل) وقطارات أنفاق، على أمل استغلال هذه البنية التحتية، أو بعضها على الأقل، في جذب واستضافة ثلاثة أضعاف عدد السائحين الذين يزورونها حاليًا، مستهدفة الوصول إلى ستة ملايين سنويًا بحلول العام 2030.

كما تتخذ دول الخليج خطوات سريعة نحو الانفتاح الثقافي بما يسمح باندماج السائح الغربي في مجتمعاتها. تتصدر دولة الإمارات ذلك السباق، إذ ألغت دبي حديثاً ضريبة تبلغ 30 في المئة على المشروبات الكحولية، وتروج الإمارات لنفسها كأرض تستضيف شتى الشعوب من جميع الخلفيات الدينية، فبجانب المساجد والكنائس، يوجد في الإمارات معبد يهودي وآخر هندوسي.

أما السعودية، فافتتحت دور العروض السينمائية والمسرحية بعد حظر دام لعقود، في حين لا تزال المشروبات الكحولية محرمة تمامًا على الأراضي السعودية.

فهل أثمرت كل تلك الجهود؟

نجحت دول الخليج في جذب أعداد كبيرة من السائحين بالمقارنة مع الدول السياحية القديمة. فمثلًا، على مدار 2019، استقبلت مصر والمغرب ما يزيد قليلًا على 13 مليون سائح لكل منهما، في حين استقبلت الإمارات أكثر من 25 مليون سائح، وتخطى عدد السائحين في السعودية، في أول عام تتيح فيه تأشيرة السياحة بغرض الترفيه، أكثر من 20 مليون سائح، وفقاً لبيانات البنك الدولي.

وعلى الرغم من نمو حجم العوائد بشكل ملحوظ، فإن نسبة بين العائد إلى الإنفاق السياحي لا تزال أقل بكثير من الدول التاريخية التي لا تملك من الدخول ما يسمح لها بالترويج السياحي الكافي.

ففي 2019، وصل عائد مصر على استثماراتها السياحية 283.3 في المئة من حجم إنفاقها، وسجلت عوائد الأردن 330 في المئة بإنفاق لم يتجاوز 1.57 مليار دولار، في الوقت الذي حققت فيه الإمارات عوائد تخطت 109 في المئة من حجم الإنفاق، والسعودية 20.9 في المئة.

تشير هذه النسب إلى أن فرص الدول السياحية التاريخية في اللحاق بالركب لا تزال كبيرة إذا استطاعت ضخ استثمارات أعلى، لكن معاناتها الاقتصادية تحول دون تحقيقها درجة الإبهار الذي توفره دول الخليج العربي، والذي بات من متطلبات العصر لسائح لم يعد تكفيه المواقع الأثرية، بل يبحث أيضاً عن الرفاهية والمتعة.