لم تعرف الشركات الناشئة أنه في الحادي عشر من مارس آذار 2023، سيُكتب لها المعاناة أمام صدمة الانهيار السريع لبنك « سيليكون فالي»، الأمر الذي لم يهددها فقط، بل شكّل تهديداً على القطاع المصرفي برمته، وأظهر تبعات مؤلمة عانت منها الشركات التكنولوجية، وشركات العملات المشفرة، التي لم تعلم أن الأمور قد تنقلب في نهاية المطاف لصالحها.

ساعات قليلة، دب الرعب بين جدران سوق العملات المشفرة بعدما بدأ تأثير «الدومينو»، فقد أُغلق بنك «سيغنتشر» أيضاً -وهو أحد أهم البنوك الرئيسية في العملات المشفرة- وازدادت المخاوف من تكرار سيناريو الأزمة الاقتصادية في عام 2008، على نطاق أوسع.

وتوالت الأزمات على قطاع العملات المشفرة، إذ كشف بنك «سيلفرغيت» للعملات المشفرة عن عزمه تصفية عملياته، بعد التضرر المالي الذي لحق به بسبب الاضطرابات في الأصول الرقمية.

في الوقت الذي أصاب الهلع القطاع المصرفي، تطلب الأمر قرارات سريعة للحفاظ على الأموال. ومن هنا، لجاء المودعون للفرار بأموالهم من انهيار البنوك، إذ أصبحت العملات المشفرة ملاذا لأموالهم، وتمكن الكريبتو من استعادة الانتعاش بعد معاناة طوال 2022.

انتعاش العملات المشفرة

ومنذ يوم الأحد انطلقت موجة تصاعدية في سوق «الكريبتو»، بعدما بدأ المودعون في سحب الودائع واللجوء إلى العملات المشفرة كبديل آمن.

نشر المحلل في «آرك إنفستمنت مانجمنت»، ياسين المنجرة، تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» يقول فيها «إن عطلة نهاية الأسبوع، شهدت تسجيل البيتكوين عمليات قيمتها 33 مليار دولار، وحصدت 600 ألف معاملة، وأصدرت 2037 عملة بيتكوين جديدة».

وأضاف «البنوك أُغلقت، ولم تعد هناك حاجة إلى الاحتياطي الفيدرالي».

.

بعد أيام فقط، قفزت قيمة عملة «بيتكوين» السوقية إلى نحو 478 مليار دولار، وصعد سعرها إلى نحو 25 ألف دولار، وفقاً للبيانات التي أعلنت عنها «بينانس» يوم الخميس، بعد أن كانت عند مستوى 21 ألف دولار قبيل وقع أزمة بنك «سيلكون فالي».

من جهته، قال مدير مجتمع «كريبتو كوانت» الشرق الأوسط، آبرام شارت في حديثه إلى «CNN» الاقتصادية، إن البيتكوين شهدت ارتفاعاً تجاوز 32 في المئة منذ الإعلان عن انهيار بنك «سيليكون فالي»، فالبعض لجأ إليها وسيلة للتحوط ضد التضخم، متوقعاً انخفاض معدل التضخم خلال مارس آذار الجاري.

الأمر ذاته، أوضحه صاحب برنامج «زكي أون بيتكوين»، زكي الدليمي، في حديثه إلى «CNN» الاقتصادية «شهدنا ارتفاعاً في الأسعار منذ يوم الجمعة الماضي، بعدما وصل سعر البيتكوين إلى أكثر من 26 ألف دولار، وهو مستوى لم تشهده منذ الصيف الماضي، كما ارتفع سعر الإيثريوم بنسبة 22 في المئة تقريباً خلال الفترة نفسها».

وأضاف «قد ينظر البعض إلى العملات المشفرة كبديل لامركزي للأنظمة المصرفية التقليدية، والتي قد تكون عرضة للمخاطر النظامية، مثل انهيار البنوك أو عدم الاستقرار الاقتصادي، يمكن أيضاً اعتبار العملات المشفرة وسيلة للحفاظ على الثروة والحفاظ على الاستقلال المالي، لأنها لا تخضع للسيطرة ولا يمكن التلاعب بها، وهي الميزات التي تسهم في رضا الناس، إضافة إلى إمكانية تحقيق عوائد عالية، وسهولة الاستخدام».

لماذا ارتفعت أسعار العملات المشفرة؟

قال رائد الأعمال والمستثمر في قطاع العملات المشفرة، دريد سكّر، إلى «CNN» الاقتصادية، «إن السبب الرئيسي لكل الفوضى الناتجة عن انهيار البنوك، وارتفاع أسعار العملات المشفرة وبالأخص البيتكوين، يعود إلى الاحتياطي المصرفي الجزئي، فالبنك يحتاج لجني الأرباح حتى يستطيع مواصلة العمل، وهذا لا يمكن من غير استثمار الودائع والقانون الأميركي لا يطالب البنوك بامتلاك أكثر من 10 في المئة سيولة من قيمة هذه الودائع، بمعنى أن البنك يمكنه إقراض 90 في المئة من الودائع، ولا يحتاج إلا للاحتفاظ بالنسبة المتبقية».

وأضاف «عندما بدأ المودعون يهرعون لسحب أموالهم، لم يتمكن البنك من تأمين المبالغ المطلوبة لأن أغلبها استثمر بوسائل طويلة الأمد، ولم يعد المال متاحاً كسيولة في وقت الحاجة إليه، وهنا نأتي لسبب التسارع لشراء البيتكوين. فالعملات المشفرة وتكنولوجيا البلوكتشين، يمكنها حل مشكلات القطاع المصرفي، فهي لا تحتاج حماية لأنها مبنية على العمليات الحسابية ولا يمكن اختراقها، كما أنها لا تحتاج إلى إدارة مركزية أو إلى جني الأرباح. فكل شخص على الشبكة يستطيع امتلاك مفاتيح العملة الرقمية التي يملكها».

من أين جاءت الثقة؟

منذ يومين، حرص الشريك المؤسس لشركة «لولي» للعملات المشفرة، أليكس آديلمان، إلى تذكير متابعيه على «تويتر» بأهمية عملة البيتكوين في هذه الأوقات.

.

أما آبرام شارت فقد عاد ليقول «كان لعملة البتكوين النصيب الأكبر في هذا الارتفاع، وهو دليل على ثقة الناس بهذه العملة أكثر من العملات الأخرى، إذ وصل استحواذ البيتكوين من القيمة السوقية الإجمالية لسوق العملات المشفرة إلى نحو 46.9 في المئة من إجمالي القيمة السوقية لها، لكن على الرغم من قوتها الآن، فإنها لن تقضي على سيطرة البنوك مستقبلاً».

بدوره، أوضح دريد «أن استمرار انهيار البنوك سيؤثر على ارتفاع عدد مستخدمي العملات الرقمية خصوصاً البيتكوين، والذي قد يرفع سعرها إلى 100 ألف دولار بحلول أواخر 2024.

وأضاف زكي، «أن العملات المشفرة قد تساعد الدول التي تعاني من نسب تضخم مرتفعة، عبر توفير وسيلة للحفاظ على القيمة؛ نظراً لأن المعروض من البيتكوين محدود، وصُمم ليكون انكماشياً، فقد يحتفظ بقيمته أفضل من العملات الورقية المعرضة للتضخم. أما في البلدان ذات التضخم المرتفع، قد تفقد العملة المحلية قيمتها بسرعة، ما يصعب على الأفراد الحفاظ على ثرواتهم. لذا فإن العملات المشفرة هي الحل».