كتب بول ر. لامونيكا (CNN)

يتجه الاحتياطي الفيدرالي الأميركي إلى رفع معدل الفائدة مرة أخرى يوم الأربعاء المقبل، لكن هل ستكون الزيادة بمعدل نصف نقطة مئوية أم ربع نقطة مئوية؟ وماذا بشأن باقي العام الحالي؟

وستعتمد إجراءات الاحتياطي الفيدرالي بشكل أساسي على ما إذا كان التضخم يتباطأ أم لا. وسيحصل المستثمرون على مؤشر جديد عندما ينشر تقرير الوظائف لشهر يناير كانون ثاني يوم الجمعة المقبل.

ويتوقع اقتصاديون إضافة 185 ألف وظيفة جديدة خلال الشهر الماضي، وهو ما يمثل انخفاضاً من 223 ألف وظيفة جديدة في شهر ديسمبر كانون الأول و263 ألف وظيفة جديدة في شهر نوفمبر تشرين ثاني. ومن المتوقع أن يُفرح أي انخفاض جديد في وتيرة التوظيف، الاحتياطي الفيدرالي. إذ يظهر أن عمليات رفع الفائدة العام الماضي أتت ثمارها وقلّلت من تدفقات الأموال على الاقتصاد.

ويدرك الاحتياطي الفيدرالي مدى صعوبة موقفه، فضغوط التضخم تأتي جزئياً من زيادات رواتب العمال، وفي سوق عمل حيث البطالة عند أدنى مستوى لها منذ نصف قرن بنسبة 3.5 في المئة مصحوبة بقدرة العمال على تأمين زيادات كبيرة في رواتبهم كي يتسنى لهم مواكبة ارتفاع أسعار البضائع والخدمات.

وفي السياق نفسه، من المنتظر أن يرتفع معدل الدخل مقابل ساعة العمل -أحد مقاييس الأجور وهو جزء من تقرير الوظائف الشهري- بمعدل4.3 في المئة على أساس سنوي، وسيمثل هذا انخفاضاً من 4.6 في المئة في ديسمبر كانون الأول و5.1 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني.

ومع تباطؤ نمو الأجور، تنخفض وتيرة ارتفاع الأسعار. وارتفع المؤشر المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي لقياس التضخم – أي مؤشر أسعار الاستهلاك الشخصي- بنسبة 5 في المئة خلال الأشهر الـ12 شهراً الماضية حتى ديسمبر كانون الأول مقابل ارتفاع سنوي قدره 5.5 في المئة على أساس سنوي في نوفمبر تشرين الثاني.

ولا يزال هذا المؤشر يسجل ارتفاعاً غير مريح لكنه يسير في الاتجاه الصحيح.

المشكلة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي أنه ربما يحتاج للاستمرار في رفع معدلات الفائدة حتى يظهر دليل آخر بأن سوق العمل يتباطأ بشكل كافٍ لخفض معدل التضخم.

الركود أم النجاة؟

وتستمر العديد من مؤشرات سوق العمل الأخرى في إظهار أن الاقتصاد الأميركي ليس في خطر كبير من الدخول في حالة ركود حتى الآن، وانخفض عدد الأشخاص المتقدمين بطلبات الحصول على إعانة بطالة خلال الأسبوع الماضي إلى 186 ألفاً، وهو أدنى معدل في تسعة أشهر، كما سيحصل المستثمرون على أحدث أرقام المطالبات الأولية يوم الخميس المقبل.

وسيترقب السوق التقارير بشأن نمو الوظائف في القطاع الخاص من معالج كشوف المرتبات «إيه دي بي» وكذلك استطلاع فرص العمل ومعدل دوران العمالة الذي سيصدر من وزارة العمل هذا الأسبوع. وكان آخر استطلاع أظهر أن فرص عمل كانت متاحة بمعدل أكثر من المتوقع خلال نوفمبر تشرين الثاني.

ومع هذا، يتوقع البعض أن نمو الأجور سيستمر في الانخفاض، مما قد يرفع بعض الضغوط عن كاهل الاحتياطي الفيدرالي.

وقال توني ويلش كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «سيغناتشر إف دي لإدارة الثروات» «كان نمو الأجور على مسار بطيء، ونعتقد أن نمواً ضعيفاً للأجور سيكون الأمر السائد في عام 2023».

ولا يوافق الجميع على هذا التقييم، فقد نجحت نقابات العمال في الحصول على زيادات كبيرة في الرواتب مؤخراً في قطاع النقل، وينضم المزيد من العمال في شركات التكنولوجيا والبيع بالتجزئة العملاقة إلى النقابات مؤخراً.

وقال جاسون فيلانكورت الاستراتيجي في الاقتصاد الكلي في بوتنام «سيكره العمال التخلي عن قوة التفاوض التي اكتسبوها العام الماضي».

وأشار فيلانكورت أيضاً إلى أن العديد من المستهلكين لا يزالون يمتلكون الكثير من النقود التي ادخروها خلال المراحل الأولى من الجائحة، وهذا قد يعني أن التضخم لن ينتهي في وقت قريب.

وعلى الرغم من أن وتيرة مكاسب الوظائف قد تتباطأ، فليس الأمر كما لو أن الاقتصاديين قد بدأوا في توقع خسائر شهرية في الوظائف مثل تلك التي شهدتها الولايات المتحدة في الركود السابق.

وأضاف فيلانكورت «إجمع بين سوق عمل قوية واحتياطي كبير من فائض المدخرات وستكون لديك كل المكونات اللازمة لإبقاء الاحتياطي الفيدرالي قلقاً».

وإذا استمرت الآمال في حدوث تباطؤ هادئ للاقتصاد، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر إلى الإستمرار في تخوفه من التضخم المرتفع للغاية، وهذا يعزز فرص أن يتمادى الاحتياطي الفيدرالي في زيادة معدلات الفائدة، وفي نهاية الأمر يدفع البلاد إلى الدخول في ركود.

ومن الواضح أن وول ستريت ترى أن سيناريو التباطؤ الهادئ أقرب للحدوث. فيكفي إلقاء نظرة على أداء أسهم شركات التكنولوجيا في البورصة منذ بداية العام، ويأتي هذا على الرغم من عمليات تسريح العمالة الضخمة من شركات وادي السيلكون الكبيرة خلال الشهور الأخيرة.

وارتفع مؤشر ناسداك 11 في المئة منذ بداية يناير كانون الثاني مما يضعه على الطريق نحو تحقيق أفضل أداء شهري منذ يوليو تموز الماضي.

ويرى البعض أن تسريح المزيد من العمالة داخل شركات التكنولوجيا لن يكون مشكلة، فيبدو أن المستثمرين يتبنون موقفاً أن خفض الشركات للتكلفة هو أمر جيد للأرباح، وأن العوائد لن تتأثر بشكل سيء نظراً إلى أن المستهلكين ما زالوا ينفقون الأموال.

من جانبه، قال فرانك نيومان مدير محفظة استثمارية لدى شركة «آلاي» للاستثمار في بيان «الأمر الذي لا يمكن أن يمر من دون ملاحظة هذا الشهر هو كيف يكافئ المتداولون في البورصة الشركات التي تتصدر عناوين الصحف كل مساء أخبار تسريحها للعمال، قد تعتقد أن المستهلك متوتر -ربما ليس كثيراً- واتضح أن الطلب على الشراء كبير».

لكن استمرار ارتفاع ناسداك قد يعتمد بشكل كبير على أداء أربع من كبرى شركات التكنولوجيا عندما يعلنون عن أرباح الربع الرابع الأسبوع المقبل، ومن المنتظر أن تعلن كل من شركة ميتا وشركة أبل وشركة ألفابت وشركة أمازون عن أرباحها خلال الأسبوع المقبل.

وقال دانيال بيركويتز كبير مسؤولي الاستثمار لدى شركة «بروتيند مانجمنت أسوشياتيد» «ربما تقود مجموعة من التقارير من هذه الشركات بتسجيل أداء أضعف من المتوقع إلى التأثير على البداية القوية للسوق في عام 2023».

وحتى الآن لا يعتقد أن أرباح شركات التكنولوجيا في طريقها لتحقيق بداية استثنائية، خصوصاً بعدما أعلنت كل من شركة «مايكروسوفت» و«إنتل» و«آي بي أم» نتائج ضعيفة، لكن من المهم ملاحظة أن هذا الثلاثي جزء من الحرس القديم لشركات التكنولوجيا، بينما «آبل» وأمازون» و«ألفابت» و«ميتا» لديها أعمال سريعة النمو.

من جانبها، أعلنت شركة «تسلا» نتائج قوية الأسبوع الماضي، ما قد يكون إشارة إلى نتائج جيدة تسجلها شركات التكنولوجيا الأخرى الأكثر ديناميكية.