لماذا يبقى موضوع تغير المناخ شائكًا وغير واضح المعالم مع أنه من أكثر المواضيع التي تمس الوجود ويجب أن يكون على سلم الأولويات؟

عبر تاريخها الطويل منذ عام 1995، لم تنجح قمم المناخ السبع والسبعون المنعقدة تحت مظلة الأمم المتحدة في تحقيق إنجازات ملموسة، بل برعت في إضفاء طابع الجدل والتعقيد على قضية المناخ، في حين أن المطلوب هو التبسيط والشفافية، ليصبح تغيّر المناخ مسؤولية الجميع وننتقل به من مرحلة المواجهة ليصبح أسلوب حياة.

ترتكز مواجهة تغيّر المناخ على هدف أساسي واحد وهو الحد من انبعاثات الكربون وغازات الاحتباس الحراري المسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة الأرض فوق مستوياتها الطبيعية، ما يتسبب في كوارث طبيعية أسفرت عن خسائر قدرت بأربعة تريليونات دولار بين عامي 2011 و2020، وفقًا لمؤسسة ستاتيستا.

تتحمل الدول الفقيرة والجزر المهددة بالغرق عبئًا كبيرًا منها، حيث تصل خسائرها للفترة نفسها إلى 26.2 مليار دولار.

وللحد من هذه الخسائر، تعهدت غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتقديم التزامات وطنية للحد من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية، وهي الطاقة التي تعتمد على النفط والغاز والفحم، والانتقال إلى الطاقة النظيفة وفق جداول زمنية محددة.

ما هو مؤتمر المناخ كوب 28؟

لكن الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر يفرض على الدول الغنية والمتقدمة تحديين رئيسيين؛ الأول هو الحد من الانبعاثات، والثاني يكمن في إيجاد الأدوات المالية اللازمة لتحقيق ذلك.

وتعكف غالبية هذه الدول على إيجاد مخرج بفرض ضريبة كربون على أرباح الشركات التي تتسبب بانبعاثات غازية ملوثة.

في المقابل، تصارع الدول الفقيرة التي تعتمد بشكلٍ رئيسي على الطاقة الأحفورية، في مناشدة الدول الغنية التي تعتبرها المسبب الرئيسي للانبعاثات لتوفير الأموال اللازمة لها لتمويل أنشطة التكيّف في مجالات مثل توفير المياه والصحة العامة والزراعة والغابات والصيد، والتقليل من المخاطر في مواجهة تغيّر المناخ. لكن هذه الدول، ولسنوات، لم تحصل إلا على نسبة صغيرة من الأموال، غالبيتها على شكل قروض أغرقتها في مزيد من الديون.

فمن أصل اعتمادات مقدمة من الدول المتقدمة وصلت إلى 83 مليار دولار بحلول عام 2020، لم تشكل المنح إلا 17 مليارًا منها، أمّا الباقي فجاء على شكل قروض بفوائد ميسرة، ما يضيف مزيدًا من الأعباء على اقتصادات الدول النامية.

إزاء هذه المعطيات، كيف يتصرف المجتمع الدولي وهل تتحمل الدول مسؤولياتها سواء من حيث الحد من الانبعاثات أو من حيث التمويل؟

الأكثر تلويثًا

تتحمل الدول المتقدمة مسؤولية 60 في المئة من انبعاثات الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، وقد سبق لها أن التزمت منذ قمة كوبنهاغن في 2009 بمد يد العون إلى الدول الأقل نموًا لمساعدتها في تمويل أنشطة التكيّف وتخفيف مضاعفات مرحلة انتقالها من الطاقة الأحفورية إلى الطاقة المتجددة، ويكون ذلك عبر تعهدات مالية بدفع حصص تشاركية لتدبير 100 مليار دولار سنويًا لمواجهة تغيّر المناخ.

كان هذا مستحقًا عام 2020، إلا أن تقاعس بعض الدول وإحجامها عن الوفاء بتعهداتها مدد المهلة إلى 2025.

ما جديد كوب 27؟

رغم اتفاق الـ 200 دولة المشاركة في «كوب 27» على إبقاء معدل زيادة حرارة الأرض تحت سقف 1.5 درجة مئوية فإن القمة لم تفرز اتفاقًا يلزم الدول بإجراءات فورية للتوقف عن استخدام الوقود الأحفوري، بل أحال مجددًا إلى برامج الدول المرحلية لتقليل الاعتماد على النفط أو الفحم كمصدر رئيسي للطاقة، لكن الضغط الذي مارسته منظمات المجتمع المدني وتحالف مجموعة دول الجنوب نجح في اقتناص بعض المكاسب هذه المرة لصالح الدول الجزرية الصغيرة والدول النامية.

يأتي ذلك في وقت لم يعد كافيًا فيه الاعتماد على التمويلات العامة الثنائية أو متعددة الأطراف لمساعدة الدول النامية التي تعتمد اقتصاداتها بشكل رئيسي على الوقود الأحفوري، كما أن صناديق تمويل إجراءات التكيّف والحد من المخاطر لا توفر الأموال اللازمة لتمويل تكاليف التحول الأخضر، فماذا حقق «كوب 27» على هذا الصعيد؟

في الواقع، حقق المؤتمر -الذي استضافه في نوفمبر تشرين الثاني منتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر- عدة إنجازات:

رصد 3.1 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة لتزويد الدول بأجهزة إنذار مبكر للكوارث الطبيعية.
إنشاء صندوق الخسائر والأضرار الذي وصل حجم الالتزامات به إلى 200 مليون دولار.
سد فجوة صندوق التكيّف وضخ قرابة 105.6 مليون دولار تمويلات جديدة لمواجهة تغيّر المناخ.

الحصة العادلة

تتبع التزامات الدول ووفائها بوعودها هو عملية معقدة، حيث لا توجد آلية موحدة لقياس حجم الاعتمادات أو الحصص التي ترصدها الدول، ولا يوجد أسلوب موحد لحوكمة الاعتمادات وتتبع طرق استخدامها، ولا تلتزم الدول المستفيدة كذلك بمعايير دولية موحدة، لتبقى هذه التعهدات رموزًا مشفرة للغز يصعب فكه. فالأرقام تتضارب بين المنظمات المعنية بتغيّر المناخ والتي تتبادل التنصل من المسؤوليات لحين إيجاد نموذج عالمي لتوحيد البيانات.

لكن ثمة بيانات يمكن أن تعطينا صورة تقريبية، ففي 2022 نشرت (Overseas Development Institute (ODI، وهي مؤسسة غير هادفة للربح تعتمد على المساعدات والهبات من جهات حكومية ومنظمات دولية، دراسة تظهر نسبة مشاركة كل دولة في التمويل العام لمكافحة تغيّر المناخ مقارنة بحجم الانبعاثات الكربونية الذي تنفثه، حيث أظهرت نتائج الدراسة تقاعس كل من أستراليا وكندا والولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا في الوفاء بالتزاماتها. فالولايات المتحدة، التي تعتبر من أكبر مصادر الانبعاثات، لم تسهم إلا بخمسة في المئة من الحصة المقررة عليها، بينما الدول الاسكندنافية وألمانيا وفرنسا أسهمت بأكثر من 75 في المئة من إجمالي التمويل.


الدول العربية

في الوقت الذي ينتقل جدول أعمال قضايا المناخ إلى «كوب 28» المقرر انعقاده في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، أين تقف الدول العربية اليوم في مواجهة تغيّر المناخ؟ بعض هذه الدول التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على النفط هي من الدول المسببة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وقد وصف تقرير البنك الدولي عن “خارطة طريق المناخ” دول الشرق الأوسط وإفريقيا بأنها من بين الأكثر هشاشة على صعيد تغيّر المناخ والأقل استفادة من تمويلات أنشطة المناخ.

ورغم السعي الحثيث لهذه الدول في تطبيق خطط التنمية المستدامة والتزامها بالوصول إلى الحياد الكربوني -كما أعلنت دول الخليج في قمة غلاسكو عام 2021- فما زال أمامها العديد من التحديات، وخصوصًا على صعيد تقليل الاعتماد على النفط وتبني تقنيات مبتكرة في دعم القطاع العام والخاص للاندماج بمنظومة الاقتصاد الأخضر، وخلق أدوات مالية جديدة للتمويل الأخضر، كآلية مقايضة الديون بتمويل العمل المناخي الذي تدعو إليه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا) والبنك الدولي.

وتشكل انبعاثات الكربون في الدول العربية 5%من الإجمالي العالمي، بحسب البنك الدولي. وعلى صعيد التزام دول المنطقة بتمويل مكافحة تغيّر المناخ ودفع حصتها العادلة، فقد شارك البعض منها من خلال بنوك التنمية المتعددة الأطراف وبنسب متفاوتة لكنها تظل ضئيلة.

لقد بات تغيّر المناخ واقعًا معيشيًا، فهل تنجح الدول في تدبير الاعتمادات المعلنة وتوظيفها بطريقة شفافة ومسؤولة أمْ سيبقى كل ذلك محض أرصدة ممنوعة الصرف؟