كتب رجا عبدالله

بعد أن استقر المناخ الاقتصادي في 2021، شهد النشاط العالمي لعمليات الاندماج والاستحواذ زيادة قياسية، ولكن سرعان ما انخفضت المؤشرات في 2022، متأثرة بتغيرات ما بعد الجائحة والحرب الروسية- الأوكرانية، لا سيما بعدما أدت الحرب لنقص النفط والغاز، وانقطاع إمدادات الغذاء، ورفع التضخم العالمي أسعار الفائدة، على سبيل المثال وليس الحصر.

ولعل الصفقات الأخيرة المبرمة في معظم بلدان أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا تعكس هذا الاتجاه إلى حدٍ بعيد، إذ تراجعت خلال 2022 مقارنة بالعام السابق، ومع عدم القدرة على التنبؤ بوقت انحسار التضخم، أو تنتهي حرب أوكرانيا، أو أين تتجه أسعار النفط، من الصعب حالياً توقع نشاط الاندماج والاستحواذ العالمي لعام 2023، بالرغم من ميل معظم التوقعات ناحية زيادة في إبرام الصفقات على مستوى العالم.

وبالرغم من التباطؤ العام، كان أداء الشرق الأوسط هو الأفضل، إذ لم ينخفض عدد الصفقات سوى بشكل طفيف في المنطقة، مع استهداف المشترين لشركاتٍ في إسرائيل والإمارات والسعودية. في الواقع، تأثر نشاط الشرق الأوسط بشكل إيجابي بالبيئة الاستثمارية نفسها التي آذت السوق الأوروبي، إذ استفادت الدول المصدرة للنفط في المنطقة من انتعاش أسعار النفط بعد الوباء والصراع الروسي- الأوكراني، ما جعل المنطقة من أكثر الأسواق ازدهاراً من حيث عدد عمليات الاستحواذ والاندماج والاكتتاب العام خلال عام 2022، ومن المرجح أن يستمر الوضع ذاته خلال عام 2023 وما بعده.

جهود الحكومات الإقليمية لتنويع اقتصاداتها وتقليص الاعتماد على النفط، والمتمثلة في تطبيق الإصلاحات المالية التي تعزز التعاون بين القطاعين العام والخاص، تدعم عمليات إبرام الصفقات أيضاً، ففي السعودية مثلاً يعمل برنامج الإصلاح والمبادرات التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مثل مشروع «نيوم» على خلق فرص أكبر لأنشطة الاندماج والاستحواذ. كما تستمر تداعيات الوباء في إجبار العديد من الشركات في المنطقة على إعادة الهيكلة، ودمج القطاعات المختلفة، ما يسهم في تعزيز إبرام صفقات جديدة.

ومن أهم العوامل التي تساعد على زيادة إبرام الصفقات التركيز القوي على التحول الرقمي والمدفوع بالتغييرات التي أحدثها الوباء، ومن وجهة نظر القطاع فمن المتوقع أن يشهد قطاع البنوك والخدمات المالية ارتفاعاً مستمراً في عمليات الاندماج بسبب توحيد الشركات ومتطلبات رأس المال الإضافي.

ومن المرجح أيضاً أن تكون صفقات الاتصالات والطاقة والمياه في الصدارة، إذ جاءت عمليات الاندماج والاستحواذ للبنى التحتية في صدارة عناوين الصحف في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة، مثل استحواذ شركة أبوظبي الوطنية للطاقة على مؤسسة أبوظبي للطاقة في أصول عمليات توليد ونقل وتوزيع الطاقة والمياه.

ولعل هناك اتجاه عالمي آخر سيظهر بشكل واضح بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ تواصل استثمارات البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة صعودها، وتفرض متطلبات متزايدة على نشاط الاندماج والاستحواذ.

مثل بقية العالم، ستحاول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضاً التخلص من الأصول التي تتسبب في المشكلات مثل الأصول ذات البصمة الكربونية المرتفعة، واستبدالها بالتركيز على تلك التي تتمتع بقيمة بيئية واجتماعية أعلى.

(مستشار مالي ومحاضر جامعي)