كيف سيكون مستقبل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الذي تسيطر فيه المخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم وانعدام الأمن الغذائي؟ هذا ما حاول البنك الدولي الإجابة عنه في تقرير جديد تحت عنوان «حين تتبدّل المصائر».

وأشار التقرير الصادر يوم الخميس إلى تباطؤ النمو المتوقع في المنطقة خلال العامين الجاري والمقبل، بضغط من تحديات التضخم المرتفع وتسارع أسعار المواد الغذائية.

توقعات النمو في المنطقة

شهدت بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مستويات نمو متباينة في عام 2022، إذ استفادت البلدان المصدرة للنفط بقيادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من العائدات غير المتوقعة بسبب ارتفاع أسعار النفط.

في حين واجهت الاقتصادات المستوردة للنفط والمواد الغذائية ضغوطاً متزايدة العام الماضي بسبب سوء الأوضاع المتفاقم منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير شباط 2022.

ويتوقع خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي نمو اقتصاديات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (باستثناء لبنان وسوريا واليمن) بنسبة 3 في المئة و3.1 في المئة خلال عامي 2023 و2024 على الترتيب، وهو أقل من النمو البالغ 5.8 في المئة في 2022.

ويقود تباطؤ النمو دول مجلس التعاون الخليجي (البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات)، مدفوعة بالهبوط المتوقع في أسعار النفط عن مستويات عام 2022.

كما توقع التقرير تباطؤ نمو البلدان النامية المُصدرة للنفط وهي إيران والعراق والجزائر، ولكن بمستويات أدنى من نظيرتها في مجلس التعاون الخليجي.

في حين تقود مصر النمو المتوقع خلال العامين الجاري والمقبل للبلدان النامية المستوردة للنفط، والتي تضم تونس والأردن والمغرب وجيبوتي والضفة الغربية وقطاع غزة.

خطر انعدام الأمن الغذائي

ارتفع معدل التضخم في المنطقة بشكلٍ كبير في عام 2022، لا سيما في البلدان التي شهدت انخفاضاً في قيمة العملة، وقاد الارتفاع صعود أسعار المواد الغذائية التي ضغطت على الأمن الغذائي في المنطقة.

وأظهر التقرير الذي يصدر مرتين سنوياً، أن معدل تضخم أسعار الغذاء بلغ 29 في المئة على أساس سنوي في 16 اقتصاداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين مارس آذار وديسمبر كانون الأول 2022.

ووجد التقرير أن ثمانية من أصل 16 دولة تعاني تضخماً في أسعار المواد الغذائية، ما أثّر على الأسر الفقيرة أكثر من غيرها لأنها تنفق الجزء الأكبر من ميزانياتها على الغذاء مقارنة بالأسر المتوسطة ومرتفعة الدخل.

وقال فريد بلحاج، نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «تضخم أسعار الغذاء له تأثير مدمر على الأسر الفقيرة.. ستظل الآثار طويلة المدى لانعدام الأمن الغذائي محسوسة لأجيال وسيحد للأسف من الآفاق بالنسبة للعديد من الشباب».

ويقدّر التقرير أن نحو واحد من كل خمسة أشخاص يعيشون في البلدان النامية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المحتمل أن يعاني انعدام الأمن الغذائي هذا العام، وأن ما يقرب من ثمانية ملايين طفل دون سن الخامسة من بين أولئك الذين سيعانون الجوع.

البلدان بحاجة لاتخاذ خطوات فعّالة

تصل احتياجات التمويل المتوقعة لمعالجة انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى مليارات الدولارات سنوياً، لكن التقرير يوضح أن الأموال وحدها لا تكفي.

وذكر بلحاج أن «التكلفة البشرية والاقتصادية للتقاعس عن العمل هائلة وهناك حاجة إلى سياسات جريئة في منطقة يشكّل فيها الشباب أكثر من نصف السكان».

كما اقترح أدوات السياسة التي يمكن أن تساعد على التخفيف من انعدام الأمن الغذائي قبل أن يتصاعد إلى أزمة كاملة، بما في ذلك التحويلات النقدية والعينية المستهدفة التي يمكن تقديمها على الفور لوقف انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وخلص التقرير إلى أن جعل النظم الغذائية أكثر مرونة وتعزيز سلاسل التوريد، لا سيما في مواجهة صدمات المناخ وصدمات السوق المستقبلية، أمر ضروري في هذه المرحلة.

ويرى مؤلفو التقرير أن الوقت قد حان لاتخاذ مثل هذه الإجراءات التي تستهدف معالجة التداعيات طويلة الأجل لانعدام الأمن الغذائي قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة في السنوات القادمة.