يمارس حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة عمله كالمعتاد على الرغم من ملاحقته قضائياً وادعاء النائب العام الاستئنافي في بيروت، القاضي رجا حاموش، عليه وعلى شقيقه ومساعدته بجرائم غسل الأموال والاختلاس والتهرب الضريبي والتزوير.

وأوضح المكتب الإعلامي لمصرف لبنان المركزي على لسان حليم برتي لـ«CNN الاقتصادية» أن «ادعاء القاضي حاموش لم يأتِ بإضافات جديدة وأنها جاءت استكمالاً للتحقيقات الأولية التي باشرها القاضي طنوس»، وأكّد أن الحاكم لا علاقة له «لا من قريب ولا من بعيد بشركة فوري التي يملكها رجا سلامة شقيق الحاكم».

وبحسب القوانين اللبنانية، يستمر حاكم البنك المركزي في مزاولة وظيفته في ظل غياب حكم بثبوت الجرم عليه.

وادعاء القاضي حاموش بحق سلامة ليس الأول من نوعه، حيث سبقته ادعاءات من قبل القاضية غادة عون والقاضي جان طنوس وادعاءات أخرى فردية.

كما باشر وفد قضائي أوروبي مطلع هذا العام التحقيق، وبالتعاون مع السلطات اللبنانية، في ملف الاختلاس وتبييض الأموال وقضايا احتجاز أموال اللبنانيين.

بالتعاون مع القضاء اللبناني .. المرصد الأوروبي يطلق تحقيقًا مع رياض سلامة

«وجوب إقالة حاكم مصرف لبنان»

من جهته، قال الدكتور علي زبيب، المحامي المتخصص في الشؤون الاقتصادية الدولية، لـ«CNN الاقتصادية» إنه وفقاً لأحكام المادتين (19) و(20) من قانون النقد والتسليف اللبناني، تجب إقالة الحاكم نظراً لتحقُق سببي الإقالة، أي ارتباطه بأنشطة تجارية (شركة فوري مثلاً)، والإخلال بواجباته الوظيفية «وذلك عبر إصدار التعاميم غير القانونية وغير الدستورية على الإطلاق».

ورأى زبيب أن الادعاء القضائي على سلامة أتى متأخراً، موضحاً أن الادعاء اللبناني على حاكم البنك المركزي لا يوقف مسار التحقيقات الحاصل في أوروبا على الإطلاق، لأن القضاء اللبناني ليس له أي سلطة على القضاء الأوروبي.

وتابع «الخطورة تكمن في بقاء الحاكم في منصبه كون الادعاء لا يكفي لتنحيته إلّا عبر قرار حكومي يبدو بعيداً هذه الفترة نظراً لتشابك المصالح القائم».

تحقيقات قد تطول

وفي هذا السياق، قال مسؤول سابق رفيع المستوى في القطاع المالي الرسمي، رفض الإفصاح عن اسمه لحساسية موقعه لـ«CNN الاقتصادية» إنه «من الصعب القول إذا ما كانت هذه الاتهامات سياسية، كون مضمون التحقيقات ما زال سرياً، ولكن من المفترض أن يمثل حاكم مصرف لبنان أمام القضاء الأسبوع المقبل حيث لم يعد من الملائم أن يبقى في موقعه».

واستبعد المصدر إمكانية اللجوء إلى إقالة سلامة نظراً لنظام التسويات السياسية المعمول به في لبنان، مرجحاً إمكانية أن يتقدم الحاكم بالاستقالة قبل نهاية ولايته في يوليو تموز أو تجميد هذا التحقيق.

كان سلامة أعلن في وقت سابق من فبراير شباط نيته ترك منصبه مع انتهاء فترة الولاية.

وأضاف المصدر أن «الادعاء اللبناني على رياض سلامة ليس إلّا محاولة إنقاذ من المحاكمة الدولية، والتحقيق في هذا الادعاء سيطول، المماطلة ستكون الأسلوب المتبع عند الدعوة للامتثال إلى التحقيق كما جرت العادة سابقاً».

تهم شتى يواجهها حاكم مصرف لبنان

وفقد حاكم مصرف لبنان حصانة السرية المصرفية بعد صدور قانون رفع السرية المصرفية بقضايا الإثراء غير المشروع والغش الانتخابي، استجابة لمتطلبات صندوق النقد الدولي.

الملفات القضائية ضد سلامة تعزز الادعاء الأوروبي

وفي سياق متصل، قال المحامي وديع عقل، وهو مدعٍ شخصي بحق رياض ورجا سلامة لـ«CNN الاقتصادية» إن «الملفات القضائية ضد رياض سلامة تعزز بما حصل في لبنان، لا سيما أن هناك ادعاءات قضائية مرتقبة خلال أسابيع قليلة ضده بتهم غسل الأموال في فرنسا وألمانيا».

وأوضح عقل أن الأموال المتهم سلامة باختلاسها وفق الادعاء، هو وشقيقه رجا ومساعدته مريان حويك وشركاء من لبنان، تبلغ نحو 330 مليون دولار. وقد درت هذه الأموال، التي تم تبييضها بأساليب كثيرة، المزيد من الأموال.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان حاكم المركزي اللبناني لن يدان في هذه الادعاءات وسيستمر بمزاولة عمله، قال عقل «أجزم أن سلامة لن يبقى حاكماً، خاصة بعد ادعاء القاضي حاموش والادعاءات القضائية الأوروبية المرتقبة».

واعتبر أن سلامة -الذي يشغل رئاسة هيئة التحقيق الخاصة بمصرف لبنان، (وهي الهيئة المسؤولة عن مكافحة غسل الأموال)- سيشكل «خطراً» على لبنان.

إلى ذلك، تتوجه الأنظار الآن إلى ما سيقوم به قاضي التحقيق الأول، شربل أبو سمرا، الذي طلب القاضي حاموش منه استجواب المدعى عليهم وإصدار المذكرات القضائية اللازمة بحقهم.

كما ينتظر أيضاً عودة القضاة الأوروبيين إلى بيروت مطلع مارس آذار المقبل لاستكمال التحقيقات مع حاكم المصرف المركزي اللبناني.

يُذكر أن الإيداعات المصرفية بالعملة الأجنبية لدى البنك المركزي قد تراجعت بنسبة 75 في المئة منذ عام 2020 لتصل إلى عشرة مليارات دولار.

والحل رهن باستقلالية القضاء

وأثيرت مخاوف حول إمكانية أن يكون هذا الادعاء عملية تعويم لحاكم مصرف لبنان وتجنب محاكمته دولياً وفقاً للمادة 46 (الفقرة 25) من اتفاقية مكافحة الفساد والتي تنص على أنّه يجوز للدولة متلقية طلب التعاون أن ترجئ المساعدة القانونية المتبادلة بسبب تعارضها مع تحقيقات أو ملاحقات أو إجراءات قضائية جارية.

ورداً على المخاوف، دعا «ائتلاف استقلال القضاء» في بيان خاص الحكومة اللبنانية إلى «وقف صلاحيات رياض سلامة فوراً بالنظر إلى خطورة الأفعال التي ادُعي عليه بها، إلى حين بت النظر فيها»، داعياً قاضي التحقيق الأول بالإنابة إلى نقل الملف إلى قاضي تحقيق آخر في بيروت، ضماناً للاستمرارية والتخصص ولزيادة الثقة في جدية التحقيق.

من جهته، قال وزير العدل السابق إبراهيم نجار لـ«CNN الاقتصادية» إن «كل هذا الحديث مقلق وخطير ويجب التصدي له بجدية مطلقة»، وأعرب النجار عن أمله ألّا تحصل مناورات من قبل القضاء اللبناني.

وشدد في ختام حديثه على ضرورة «الإفراج عن المعلومات للرأي العام واستكمال التحقيق حتى خواتيمه».