انهار بنك «سيليكون فالي» يوم الجمعة خلال فترة زمنية قياسية لم تتجاوز 40 ساعة، جراء تدفقات البنك وأزمة في رأس المال ما أدى إلى ثاني أكبر انهيار لمؤسسة مالية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية منذ 15 عاماً.

ورغم عدم انتشاره الكبير خارج وادي السيليكون، فإن بنك «سيليكون فالي» كان واحداً من بين أكبر 20 بنكاً تجارياً أميركياً، إذ بلغ إجمالي الأصول 209 مليارات دولار في نهاية العام الماضي، وفقاً لمؤسسة التأمين الفيدرالية.

لذلك فإننا نشهد الآن أكبر انهيار لبنك منذ انهيار «واشنطن ميوتشوال» في عام 2008.

أغلق المنظمون في كاليفورنيا بنك «سيليكون فالي» يوم الجمعة، ووضعوه تحت سيطرة شركة «تأمين الودائع الفيدرالية» الأميركية، التي تعمل كمستلم؛ ما يعني أنها ستصفي أصول البنك لتسديد المبالغ المستحقة لعملائها، بما في ذلك المودعون والدائنون.

قالت الشركة إن جميع المودعين المؤمّن عليهم سيكون لديهم حق الوصول الكامل إلى ودائعهم المؤمنة في موعد لا يتجاوز صباح يوم الاثنين، مؤكدة أنها ستدفع للمودعين غير المؤمّن عليهم عائداً مقدماً خلال الأسبوع المقبل.

بداية القصة

بدأت الأزمة منذ يوم الأربعاء، عندما أعلن بنك «سيليكون فالي» -الذي تأسس عام 1983- عن بيع مجموعة من الأوراق المالية بخسارة، وعزمه جمع نحو 2.25 مليار دولار من الأسهم الجديدة لدعم الميزانية العمومية، وسد فجوة في موارده المالية الناتجة عن بيع جزء من محفظته من السندات التي تضررت بشدة.

أثار ذلك حالة من الذعر بين شركات رأس المال الاستثماري الرئيسية، التي ورد أنها نصحت الشركات بسحب أموالها من البنك.

لم يستمر الأمر طويلاً، فسهم الشركة انخفض يوم الخميس بنسبة 60 في المئة؛ ما ترك تأثيراً على بعض البنوك الأخرى.

وبحلول صباح يوم الجمعة، توقف التداول على سهم بنك «سيليكون فالي»، وسط تقارير تفيد بأن البنك غير قادر على جمع كل الأموال التي يحتاجها، وبات يبحث عن مشترٍ.

أعقب ذلك إيقاف أسهم عدد من البنوك منها «فيرست بابليك»، و«باك ويست بانكورب»، و«بنك سيغنتشر».

لكن ما أثار حفيظة البعض كان توقيت منتصف الصباح عندما استحوذت «تأمين الودائع الفيدرالية» على البنك؛ فعلى الأغلب يجب أن تنتظر الوكالة حتى يغلق السوق لإجراء خطوات التدخل.

كتب الرئيس التنفيذي لشركة «باتر ماركتس»، دينيس كيليهر «تدهورت حالة بنك «سيليكون فالي» بسرعة كبيرة لدرجة أنه لا يمكن أن يستمر 5 ساعات أخرى فقط».

وأضاف «يعود ذلك إلى سرعة سحب المودعين لأموالهم، وكان الإغلاق خلال اليوم أمراً لا مفر منه بسبب التسابق المصرفي الكلاسيكي».

ردود أفعال سريعة

سعى نائب وزير الخزانة الأميركي، والي أدييمو، يوم الجمعة، إلى طمأنة الجمهور بشأن صحة النظام المصرفي بعد الانهيار المفاجئ لبنك «سيليكون فالي».

قال أدييمو لشبكة “CNN” في مقابلة حصرية «يهتم المنظمون الفيدراليون بهذه المؤسسة المالية على وجه الخصوص، وعندما نفكر في النظام المالي الأوسع، فنحن على ثقة من قدرة ومرونة النظام، فلدينا الأدوات اللازمة للتعامل مع ما حدث للبنك، في ظل وجود قانون «دود – فرانك» الذي أعطى بداية جيدة منذ إقراره عام 2010 للوصول إلى الاستقرار المالي».

جاءت تلك التعليقات بعد أن عقدت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، اجتماعاً غير مجدول للمنظمين الماليين لمناقشة انهيار بنك «سيليكون فالي»، وهو مقرض رئيسي لقطاع التكنولوجيا المتضرر.

ووفقاً لكبير محللي السوق في «أواندا» إيد مويا، فإن البنوك الصغيرة التي ترتبط بشكل غير متناسب بالصناعات التي تعاني من ضائقة مالية مثل التكنولوجيا والعملات المشفرة قد تعاني من طريق صعب الآن.

وأضاف «كان الجميع في «وول ستريت يعلمون أن حملة رفع أسعار الفائدة ستؤدي في النهاية إلى ضرر كبير، والآن يؤدي ذلك إلى انهيار البنوك الصغيرة».

أزمة القطاع المصرفي

تسبب انهيار بنك «سيليكون فالي» في هز الأسواق وإثارة أسئلة غير مريحة، في مقدمتها هل سيقوَّض النظام المصرفي الأوسع ويبدأ انهياراً جديداً؟

على الرغم من الذعر الأوّلي في «وول ستريت» بشأن انهيار «سيليكون فالي»، قال المحللون إن انهيار البنك من غير المرجح أن يؤدي إلى نوع من تأثر تسلسلي وانتشار العدوى بين الصناعة المصرفية خلال الأزمة المالية.

قارن الملياردير بيل أكمان، مدير صندوق التحوط، بين انهيار «سيليكون فالي»، وانهيار «بير ستيرنز»، أول بنك ينهار في بداية الأزمة المالية العالمية 2007-2008.

ونشر أكمان على «تويتر» قائلاً «إن خطر الفشل وخسائر الودائع هنا هو أن البنك التالي الأقل حظاً برأس المال سيواجه هروباً وفشلاً».

.

لكن يُعتقد أن مخاطر انتشار العدوى محدودة في الوقت الحالي.

قال أستاذ المالية في «كينغز كوليدج لندن»، جينس هاغندورف، «إن النظام المصرفي في حالة جيدة وقادر على تحمل الصدمات الكبيرة».

وأوضح كبير محللي البنوك في «ويلز فارغو»، مايك مايو، أن أزمة بنك «سيليكون فالي» قد تكون موقفاً خاصاً.

بدورها، قالت جوليا تشاترلي من “CNN” يوم الجمعة «الآن الجميع يشعر بالقلق، لكن وفي الوقت ذاته أصبحت البنوك أكثر مرونة مما كانت عليه منذ جيل».
وكان المنظمون الأميركيون، قد أعلنوا في فبراير شباط الماضي، أن البنوك الأميركية تكبدت خسائر تجاوزت نحو 620 مليار دولار في الأوراق المالية، في إشارة إلى الضرر الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة.

زيادات حادة لأسعار الفائدة

صدمة المستثمرين والشركات الناشئة بانهيار أحد أكبر المقرضين في وادي السيليكون خلال فترة زمنية قياسية لم تتجاوز 40 ساعة، جاءت في الوقت الذي يعاني فيه قطاع التكنولوجيا من حالة تأهب من تسريح الموظفين على نطاق واسع، وقلة الفرص في الوصول إلى رأس المال وسط ركود اقتصادي يلوح في الأفق.

ينبع تراجع بنك وادي السيليكون جزئياً من الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي خلال العام الماضي.

عندما كانت أسعار الفائدة قريبة من الصفر، حملت البنوك سندات الخزانة طويلة الأمد، والتي تبدو منخفضة المخاطر.

ولكن مع رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لمحاربة التضخم، انخفضت قيمة تلك الأصول، ما ترك البنوك تتعرض لخسائر فادحة.

قال كبير الاقتصاديين في «موديز»، مارك زاندي، «إن الأسعار المرتفعة أثرت بقوة على التكنولوجيا بشكل خاص، ما قلل من قيمة أسهم التكنولوجيا وجعل جمع الأموال أمراً صعباً.

دفع ذلك العديد من شركات التكنولوجيا إلى سحب الودائع التي يحتفظون بها في بنك «سيليكون فالي» لتمويل عملياتهم.

وأضاف أن أسعار الفائدة المرتفعة أدت أيضاً إلى خفض قيمة الأوراق المالية التي يحتاجها «سيليكون فالي» لدفع المودعين.

ذعر الشركات الناشئة

أدى ذلك الانهيار المفاجئ لبنك “سيليكون فالي”، إلى حركة غير عادية بين الشركات الناشئة خلال 48 ساعة، إذ دفعتهم إلى تقييم سحب الأموال، وفاقمت قلق رواد الأعمال في القطاع التكنولوجي إزاء كيفية التعامل مع أموالهم، وتغطية نفقات التشغيل مع الحفاظ على كشوف رواتب عادلة، كما أثارت مخاوفهم من خطر انتشار العدوى بين القطاع المصرفي.

أخبرت مؤسسة شركة «فارم بوكس آر إكس» لتوصيل الأغذية الصحية، آشلي تيرنر، شبكة “CNN” عبر البريد الإلكتروني «الآن بعد انهيار البنك، أريد فقط أن أعرف ما سيحدث مستقبلاً، فشركة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية تغطي نحو 250 ألفاً فقط، فهل سأستعيد أموالي التي تبلغ عشرات الملايين كاملة؟»

وأضافت أنه في الوقت الذي قررت فيه الشركة سحب أموالها بالكامل من البنك، كان الأوان قد فات، قائلة «لم نتمكن من تسجيل الدخول إلى حساباتنا، ولم نتمكن من الاتصال بأي شخص عبر خط المساعدة».

هستيريا جماعية

قبل الانهيار، انتشرت بعض التقارير الإعلامية التي تظهر إقبال عدد من الشركات الناشئة في قطاع التكنولوجيا على سحب أموالهم من البنك، والتي أكدتها منشورات عامة من أصحاب رأس المال الاستثماري.

فقد كشفت تقارير عن نصيحة مؤسسة «فوندرز فاند» لصاحبها الملياردير بيتر ثيل، وجهتها إلى شركات محفظتها الاستثمارية بسحب الأموال من البنك، لكن ممثلها رفض طلب “CNN” التعليق حول الأمر.

في هذه الأثناء، دعت شركة «ترايب كابيتال»، الشركات إلى الحذر من البنوك التي تحتفظ فيها بأموالها، إذ حث أحد مستثمريها، أرجون سيثي، الشركات الناشئة، في مدونة شاركها على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، على الاحتفاظ بالأصول المالية في البنوك التقليدية الأكثر سيولة، وعدم المخاطرة.

.

وفي محاولة واضحة لتجنب الهلع والذعر بين الشركات الناشئة، دعا أصحاب رؤوس الأموال المغامرون البارزون إلى الالتزام بالهدوء، إذ حث الشريك في شركة رأس المال الاستثماري «أبفرونت فينشرز»، مارك ساستر، على تجنب خلق هستريا جماعية، وقال «الخطر الأكبر على الشركات الناشئة (وبنك سيليكون فالي) هو الذعر الجماعي. الإقبال الجماعي على سحب الأموال من البنك يؤذي نظامنا بأكمله. الناس يمزحون علناً بشأن هذا الأمر. هذه ليست مزحة. هذا أمر جدي. أرجوكم تعاملوا معه على هذا الأساس».

.