شهد البشرُ هذا العام عالمَهم المحيط بهم بعيون جديدة وبطريقة لم تخطر على بالهم من قبل، إذ انطلقت مهام أبحاث الفضاء إلى آفاق استكشافية غير مسبوقة لحل ألغاز الكون.

لقد شهدنا المهمة الأولى إلى محطة الفضاء الدولية، والممولة بالكامل من سائحي الفضاء، وأدت خدمة الإنترنت الجديدة المثبتة كليًا في الفضاء دورًا مهمًا في الحرب التي اندلعت في أوكرانيا، كما أطلقت وكالة «ناسا» -بالتعاون مع شركائها الدوليين- بعض التكنولوجيا والمركبات الفضائية التي تعتبر تاريخية بالفعل، وبتنا أقرب من أي وقت مضى من هبوط البشر على كوكب المريخ.

من جهته، قال مدير وكالة ناسا، بيل نيلسون، إن عام 2022 كان بلا أدنى شك مختلفًا تمامًا عن الأعوام السابقة، وستسطر كتب التاريخ أن هذا العام كان الأكثر إنجازًا في تاريخ بعثات «ناسا» بأكملها.

إليكم أبرز الاكتشافات الفضائية واللحظات المهمة التي لا تُنسى في عام 2022:

إطلاق مهمة أرتيميس 1 إلى القمر

بعد أعوام من التحضير، أطلقت «ناسا» أحدث برامجها لاستكشاف القمر، وأول رحلة تجريبية غير مأهولة تابعة لكبسولة «أوريون».

كانت المهمة حافلة باللحظات الاستثنائية، إذ أصبح الصاروخ الذي أطلق المهمة من سطح الأرض، (نظام إقلاع الفضاء)، أقوى صاروخ يصل المدار، حيث تميز بقوة دفع تتخطى 15% متفوقًا بذلك على صواريخ «ساترون 5» التابع لبرنامج أبولو للفضاء.

وعند الوصول إلى الفضاء، التقطت الكبسولة «أوريون»، التي كان على متنها بعض الدمى كاختبار أولي، بعض الصور الساحرة للقمر وكوكب الأرض.

وكان مدار الكبسولة يتأرجح بعيدًا إلى ما وراء الجانب البعيد من القمر، بشكل أكبر مما أقدمت عليه أي مركبة فضائية مصممة لنقل البشر من قبل.

كبسولة أوريون

مهدت هذه التجربة الطريق لمهمات أرتيميس المستقبلية؛ على أمل أن يعود البشر إلى القمر من جديد، قبل رسم مسار لأول رحلة فضاء بشرية إلى كوكب المريخ.

تلسكوب ويب وأسرار الكون الخفية

لم تتخذ «ناسا» خطوات مهمة تجاه الاستكشافات البشرية فحسب، بل قطعت شوطًا كبيرًا بالشراكة مع وكالات الفضاء الدولية، نحو تحقيق مساعيها العلمية.

بعد عقود من الترقب، بدأ تلسكوب جيمس ويب الفضائي -أخيرًا- في مراقبة الكون في يوليو/ تموز.

التقط تلسكوب جيمس ويب الفضائي هذه الصورة للمجرة الحلزونية IC 5332

ومنذ ذلك الحين، راقب أقوى مرصد فضائي في العالم، الكواكب والنجوم والمجرات في ضوء الأشعة تحت الحمراء، وهو أمر غير مرئي للعين البشرية.

رصد التلسكوب عدة جوانب خفية من الكون، بما في ذلك أبعد المجرات التي رُصدت على الإطلاق.

وعلى الرغم من أنها بداية جيمس ويب، فقد شارك بتصورات جديدة حول بعض الصور الكونية المفضلة لعلم الفلك والتقطها في ضوء جديد، مثل أعمدة الخلق، ونجحت صور التلسكوب في التفوق على كل توقعات علماء الفلك.

رصد العجائب الفلكية للمرة الأولى

لم يكن «تلسكوب ويب المرصد الفضائي» الوحيد الذي تمكن من تسليط الضوء على مفهوم أوسع للفضاء، إذ استطاع تلسكوب هابل (Hubble)، التجسس على أبعد نجم منفرد على الإطلاق.

كان النجم، الذي أطلق عليه العلماء لقب إيرنديل (Earendel) مشتقًا من كلمة إنجليزية قديمة تعني «نجمة الصباح» أو «الضوء الصاعد»، ساطعًا على بُعد 28 مليار سنة ضوئية، وهو النجم الذي أُنتج بعد 900 مليون سنة فقط من حدوث الانفجار العظيم للكون، وسافر ضوؤه ما يناهز 13 مليار عام للوصول إلى كوكب الأرض.

كما استخدم علماء الفلك هذا التلسكوب، للتأكد من وجود الثقب الأسود الهائل المعروف باسم «الرامي أ*» (Sagittarius A*) بعد التقاط صورته في مركز مجرة درب التبانة للمرة الأولى.. وفي حين أن الثقوب السوداء قاتمة فإن ظل الجسم الكوني كان محاطًا بحلقة لامعة.

تغيير مسار كويكب في الفضاء

أكملت «ناسا» في أواخر شهر سبتمبر/ أيلول أول مهمة لاختبار الدفاع الكوكبي، إذ دفعت وكالة الفضاء بمركبة فضائية إلى القمر الكويكبي الصغير «ديمورفوس»، في أثناء دورانه حول صخرة فضائية (ديديموس).

**media[1607599]**

كانت تلك الخطوة بمثابة اختبار لإعادة توجيه الكويكب المزدوج، لمعرفة قدرات تكنولوجيا الانحراف.

اختارت الوكالة هذا القمر الكويكبي لأنه لا يشكل تهديدًا لكوكب الأرض، إلّا أن الخطة أثبتت قدرة النظام على اختبار التكنولوجيا التي قد تُستخدم يومًا ما لحماية الكوكب من الارتطام بكويكب.

وكانت تلك المهمة هي الأولى من نوعها التي غيّرت فيها البشرية عن عمد حركة جسم فضائي، إذ نجحت المركبة الفضائية في تغيير مدار الكويكب لمدة 32 دقيقة.

خطط «ناسا» لدراسة الأجسام الطائرة المجهولة

خلال يونيو/ حزيران، أعلنت «ناسا» أنها بصدد دراسة الألغاز المحيطة بالظواهر الجوية غير المعروفة الشهيرة باسم «الأجسام الطائرة المجهولة»، لذا اختارت لهذه المهمة فريقًا من الخبراء في عدد من التخصصات المختلفة، بما في ذلك علم الأحياء الفلكية وعلوم البيانات وعلوم المحيطات والكواكب وعلم الوراثة والسياسة.

كان الهدف من البحث هو إلقاء نظرة جادة حول الظواهر الجوية المجهولة التي لم يجدوا لها أي تفسير بعد، لذلك ناقش المسؤولون في «ناسا» الأمر بشكل عام، لمعرفة كيفية رؤيتها ودراستها من خلال عدسة علمية.

وأوضحت «ناسا» -في بيان لها- أنه سيكون من المستحيل التحقق من الملاحظات أو شرحها بالكامل بدون الوصول إلى قاعدة بيانات واسعة، وبالتالي، ينصب تركيز الدراسة على إبلاغ الوكالة الفضائية بالبيانات المحتملة التي يمكن أن تُجمع مستقبلًا؛ لتمييز طبيعة هذه الأجسام المجهولة ولكن بأسلوب علمي.

معالم المريخ

في هذه الأثناء على كوكب المريخ، انتهت مهمة المسبار الفضائي «إنسايت» (InSight)؛ لوجود فائض من الغبار على الألواح الشمسية، وعدم القدرة على تنظيفها، إلّا أن المركبة الفضائية الثابتة تمكنت من كتابة التاريخ في عام 2022.

التقط المسبار “إنسايت” التابع لـ”ناسا” هذه الصورة للمنطقة أمام المركبة الفضائية على المريخ في 11 ديسمبر/ كانون الأول

اكتشف المسبار أكبر زلزال على سطح كوكب المريخ، والتقط أصوات الصخور الفضائية أثناء اصطدامها بالكوكب، ما أدى إلى ظهور بعض الحفر التي كشفت عن كنوز دفينة من الجليد تحت السطح.

ومع اقتراب نهاية رحلة المسبار، واصلت العربة المتحركة تحليقها في سماء الكوكب الأحمر، بعد مهمة المسبار الأصلية المكونة من 5 رحلات، وحطمت مروحية إنجينويتي (Ingenuity) المريخية رقمها القياسي في الارتفاع وتجاوزت 37 رحلة جوية على المريخ منذ أبريل/ نيسان عام 2021.

وكانت المروحية الصغيرة قد عملت ككشافة جوية، فجمعت تنوعًا مذهلًا من عينات الصخور والرواسب المريخية.

والآن، تؤسس العربة المتحركة مستودعًا للعينات التي يمكن تخزينها على سطح المريخ، على أن تُعاد العينات إلى كوكب الأرض بحلول عام 2033 عبر برنامج عودة عينات المريخ، والذي سيرسل مسبارًا وثنائيًا من مروحيات الاسترجاع إلى الكوكب الأحمر في وقت لاحق من هذا العقد.

نيزك بين النجوم يزور عالمنا

وبالحديث عن الصخور الفضائية، سافرت عينة نادرة إلى كوكب الأرض في عام 2014، لكن تمكن العلماء من فك الألغاز هذا العام، وبات الاكتشاف موجودًا في وثيقة قيادة الفضاء الأمريكية.

هبط أول نيزك نجمي معروف على كوكب الأرض؛ على طول الساحل الشمالي الشرقي لبابوا غينيا الجديدة في يناير/ كانون الثاني عام 2014.

وتنشأ النيازك (التي تعتبر صخورًا فضائية) بين النجوم من خارج نظامنا الشمسي، مثل «أومواموا» (Oumuamua)، وهو أول نيزك نجمي معروف في نظامنا الشمسي يتم اكتشافه عام 2017.

اكتشاف حطام من كارثة مكوك الفضاء «تشالنجر»

على الرغم من النجاحات التي شهدتها وكالة «ناسا» هذا العام، فإنها صادفت تذكيرًا بالمآسي والكوارث أيضًا.

انطلق المحققون في مارس/ آذار للبحث في مواقع حطام السفن المشتبه بها في مثلث برمودا، وهي رقعة من شمال المحيط الأطلسي يقال إنها موقع للعشرات من حطام السفن والطائرات، وذلك من أجل مسلسل تلفزيوني وثائقي.

لكن عثر الطاقم على شيء غير متوقع في موقع آخر قبالة الساحل الشرقي لفلوريدا، وهي قطعة من الحطام يبلغ طولها 20 قدمًا (بما يعادل 6 أمتار) من مكوك الفضاء «تشالنجر» (Challenger)، والذي تحطم بعد وقت قصير من إقلاعه في عام 1986 وتسببت في مقتل جميع أفراد الطاقم السبعة على متنه.

وكان هذا هو أول حطام يُكتشف منذ انجرفت قطع من المكوك إلى الشاطئ في عام 1996.

وفي هذا الصدد، قال مدير ناسا، بيل نيلسون، إن هذا الاكتشاف يمنح الوكالة الفضائية، فرصة للتوقف مرة أخرى، لرفع إرث الرواد السبعة الذين رحلوا، والتفكير في كيفية التغيير الذي حدث بعد التعرض لهذه المأساة.

وأضاف: «القيمة الأساسية للسلامة في وكالة «ناسا» على رأس أولوياتنا، ويجب أن تظل كذلك إلى الأبد، خاصة أن بعثاتنا تستكشف المزيد من الكون أكثر من أي وقت مضى».

توفير الإنترنت الفضائي لأوكرانيا عبر نظام الأقمار الصناعية

عندما شنت روسيا غزوها في فبراير/ شباط على أوكرانيا، وفقدت بعض المناطق إمكانية الحصول على خدمات الإنترنت، بدأ نظام الإنترنت الفضائي -الذي بالكاد كان موجودًا قبل بضع سنوات- في توفير وسائل اتصال مهمة، إذ أطلق إيلون ماسك من سبيس إكس (SpaceX) نظامًا عُرف باسم «ستارلينك» (Starlink).

استخدم النظام آلاف الأقمار الصناعية الصغيرة جنبًا إلى جنب؛ سعيًا لتغطية الكرة الأرضية بالإنترنت.. والحل سهل وسريع، إذ كل ما يتطلبه الأمر للتمتع بخدمات الإنترنت هو طبق القمر الصناعي «ستارلينك».

ومن ثم، أرسل إيلون ماسك و”سبيس إكس” الآلاف من تلك الأطباق إلى أوكرانيا.

وعلى الرغم من الجدل الشائع حول التمويل، فإن دول أوروبا الشرقية رحبت باستخدام هذا الطبق؛ لمساهمته الايجابية في عملية الاتصالات والوصول إلى الجيوش؛ ما ساهم في تمكين أوكرانيا بالقدرة على القتال حتى مع تعطل الحرب المستمرة ضد شبكات الهواتف والإنترنت.

أول رحلة خاصة إلى محطة فضائية

على الرغم من الدور الحيوي الذي أداه طبق القمر الصناعي «ستارلينك»؛ فإنه جزء صغير من الأعمال المزدهرة لشركة سبيس إكس (SpaceX).

لا تطلق الشركة بشكل روتيني الأقمار الصناعية فحسب، بل تنظم رحلات فضائية نيابة عن “ناسا”.

وفي هذا العام، نقلت شركة “سبيس إكس” عددًا قليلًا من محبي الإثارة إلى محطة الفضاء الدولية في مهمة بوساطة أكسيوم (Axiom).

رائد الفضاء السابق في ناسا، مايكل لوبيز أليجريا، رجل الأعمال الإسرائيلي إيتان ستيب، والمستثمر الكندي مارك باثي، وقطب العقارات في أوهايو، لاري كونور.

يمثل هذا الحدث أول مهمة لمحطة فضائية ممولة بالكامل من خلال العملاء الذين دفعوا ثمنها، وكانوا مواطنين عاديين فقط.

كان هناك أربعة من أفراد الطاقم، كان من بينهم رائد الفضاء السابق في ناسا، مايكل لوبيز أليجريا، الذي تحول إلى موظف في أكسيوم.. أما العملاء الثلاثة فكانوا: رجل الأعمال الإسرائيلي إيتان ستيب، والمستثمر الكندي مارك باثي، وقطب العقارات في أوهايو، لاري كونور.

أُطلق على المهمة اسم AX-1، في 8 أبريل/ نيسان، على أن تستغرق الرحلة 10 أيام، ولكن تسببت بعض التأخيرات في تمديد المهمة لنحو أسبوع.

وتسمح وكالة «ناسا» بالترتيب لمثل هذه المهمات الخاصة إلى محطة الفضاء، كجزء من خطتها لمزيد من النشاط التجاري في مدار أرضي منخفض.