بعد مرور أكثر من عامَين على جائحة كورونا، لا تزال سلاسل التوريد العالمية تُعاني الصدمة والاضطراب، إذ خلق نقص العمالة تحديات هائلة لحركة الشحن العالمية، التي تفاقمت بسبب الحرب الأوكرانية.

وعلى مدار 2022، ظهرت أزمات جديدة سيطرت على المشهد الاقتصادي العالمي تتعلق بإمدادات الغذاء والطاقة، وكانت سبباً رئيسياً في تزايد أسعار السلع عالمياً، وهو ما لم تنجُ منه الدول العربية، بل كانت من بين الأشد تضرراً.

وقال أبو بكر الديب، مستشار المركز العربي للبحوث والدراسات، متحدثاً إلى «CNN الاقتصادية» إن «أغلب الدول العربية مستوردة للغذاء من روسيا أو أوكرانيا»، موضحًا أن الحرب بين البلدَين كانت لها تكاليف باهظة، إذ يأتي نحو ثلث القمح في العالم منهما.

ومع اعتماد بعض دول الشرق الأوسط على روسيا وأوكرانيا في أكثر من نصف وارداتها الغذائية، دخل الأمن الغذائي العربي في حالة خطر، وبالفعل تعرضت ليبيا التي مزقتها الحرب، ولبنان المُتداعي اقتصادياً، ومصر أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، لضربة قوية من الاضطرابات في تصدير الحبوب.

التضخم وسلاسل التوريد

كانت اضطرابات سلاسل التوريد ونقص الإمدادات أحد الأسباب الرئيسية لتسارع التضخم في دول المنطقة العربية إلى معدلات أثرت بشكل واضح على الأُسر، التي تُعاني من ارتفاع فواتير المياه والكهرباء والبنزين والغاز، بالإضافة إلى أسعار الغذاء.

وقال الديب «أجبر التضخم الاحتياطي الفيدرالي على تشديد السياسة النقدية، ما أعطى قوة للدولار مقابل العملات الأخرى، خاصة في الأسواق الناشئة والدول العربية غير النفطية»، مشيراً إلى الانخفاض الحاد في الجنيه المصري كمثال على التداعيات التي أثرت على ما يزيد على 100 مليون مواطن أو مستهلك في واحدة من أكبر دول المنطقة العربية.

ورغم استقرار أسعار المواد الغذائية العالمية منذ استئناف صادرات الحبوب الأوكرانية في أواخر يوليو تموز، بعد اتفاق بوساطة الأمم المتحدة بين كييف وموسكو، فإنه لا يزال الكثيرون في الشرق الأوسط ينتظرون الشُحنات المتوقفة.

كما أضر التضخم المرتفع بعدد من اقتصادات الشرق الأوسط غير المستقرة، إذ أشعل ارتفاع أسعار السلع في العراق وإيران فتيل احتجاجات شعبية.

وفي مصر، التي شهدت قبل نحو عشر سنوات انتفاضة أطاحت بالنظام السابق تحت شعار «الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية»، تعاني الأسر من جميع مستويات الدخل من تآكل متسارع في قدرتها الشرائية.

وتصدر لبنان دول المنطقة الأكثر تضررًا من معدلات التضخم، إذ تجاوز مؤشر أسعار المستهلكين السنوي في البلاد 143 في المئة في نوفمبر تشرين الثاني 2022، ثم السودان الذي سجل معدل تضخم سنوياً بلغ نحو 89 في المئة في الفترة ذاتها.

في المقابل، كانت الكويت والسعودية وسلطنة عُمّان من بين الدول الأقل تضررًا، إذ بلغ معدل التضخم في نوفمبر تشرين الثاني 2022 نحو 3.2 في المئة، و2.9 في المئة، و2.06 في المئة على الترتيب.

هل تستمر الأزمة في 2023؟

تتمثل أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه سلاسل التوريد في المنطقة العربية خلال العام الجاري، في احتمالية ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج بما يتجاوز التوقعات أو تعطل إمدادات الطاقة، بالإضافة إلى تفاقم التدهور في الآفاق الاقتصادية العالمية، وهو ما قد يكبح القدرة الشرائية للمستهلكين.

كما أن تمديد الاتفاق الذي تدعمه الأمم المتحدة ويسمح بتصدير الحبوب من البحر الأسود، أحد المخاطر الرئيسية التي تواجه توقعات أسعار المواد الغذائية.

وأشار تقرير البنك الدولي الصادر عن تطورات أسواق السلع الأولية في أكتوبر تشرين الأول، إلى انخفاض محتمل في إمدادات الحبوب العالمية خلال 2023، مرجحاً ارتفاعاً طفيفًا لإمدادات القمح العالمية في الموسم الذي بدأ في أغسطس آب، مقابل انخفاض إمدادات الذرة والأرز بنسبة خمسة في المئة واثنين في المئة على الترتيب.

وتوقع الديب استمرار أزمة سلاسل التوريد خلال النصف الأول من 2023، قائلًا «نجح اتفاق روسيا وأوكرانيا في إخراج كمية كبيرة من الحبوب من موانئ أوكرانيا، لكن طلقات الرصاص هي الأعلى صوتاً».

ومع ذلك، يرى الخبير الاقتصادي «ضوءاً في نهاية النفق»، إذ يتوقع أن يؤدي التشديد النقدي من قبل البنوك المركزية إلى انحسار التضخم، مما سيعزز تباطؤ أسعار الغذاء في نهاية المطاف، وهو ما يُرجح حدوثه في النصف الثاني من 2023.