أثارت خسارة رجل الأعمال الهندي (غوتام أداني) لنحو نصف ثروته في غضون أسبوعين علامات استفهام كثيرة حول كيفية فقدانه للمليارات بهذه السرعة.

وبعد أن كان يتنقل بين المراكز الخمسة الأولى في قائمة أغنى أثرياء العالم، أصبح (أداني) الآن متراجعاً بشكل كبير بعد هبوط ثروته، التي كانت تقدر بنحو 120 مليار دولار، إلى أقل من النصف.

عجز إذن أغنى رجل في آسيا عن الحفاظ على قيمة ثروته التي كونها على مر السنين، الأمر الذي ترك علامات استفهام كبيرة حول السبب وراء هذه الانتكاسة المفاجئة.

كفاح الملياردير العصامي

تمكن (أداني)، بعد أن ترك المدرسة في سن السادسة عشرة، من بناء إمبراطوريته التي تضم تسع شركات – سبع منهم مدرجة في البورصة – على مدار ثلاثين عاماً، وتقدر القيمة السوقية لشركاته بنحو 17.8 تريليون روبية هندية (218 مليار دولار).

وتجاوزت ثروة أداني في سبتمبر أيلول الماضي، لفترة وجيزة، ثروة رجل الأعمال الأمريكي (جيف بيزوس)، مالك أمازون، ليصبح ثاني أغنى رجل في العالم.

تعمل تلك الشركات في مجموعة واسعة من المجالات، وتركز على مشاريع البنية التحتية الرئيسية، مثل الموانئ والمناجم والمطارات، ومراكز البيانات، وتوليد الطاقة، والنقل.

ويُنظر إلي أداني على أنه حليف وثيق لكبار المسؤولين بالهند والعالم، مثل رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي.

بداية السقوط

في الرابع والعشرين من يناير كانون الثاني الماضي، نشرت (هيندنبورغ ريسيرش)، المتخصصة في الأبحاث المالية، تحقيقاً صحفياً استغرق قرابة العامين عن مخالفات مالية جسيمة قال إن الملياردير الهندي ارتكبها.

أشار التحقيق إلى أن أكثر من 100 مليار دولار من ثروة أداني تكونت بطريقة غامضة خلال السنوات الثلاثة الماضية فقط.

وجاء في التحقيق أن المجموعة سبق واتُهمت في أربعة تحقيقات حكومية رئيسية بتهم تتعلق بالاحتيال وغسل الأموال وسرقة أموال دافعي الضرائب والفساد، وذلك بقيمة إجمالية تقدر بنحو 17 مليار دولار.

كما تواطأت المجموعة لإنشاء كيانات وهمية خارجية في مناطق الملاذات الضريبية مثل موريشيوس وجزر الكاريبي، نفذت من خلالها عمليات تزوير مكنتها من تهريب المليارات للخارج، بحسب التقرير.

ولفت التحقيق إلى أن بعض الشركات التابعة لـ(أداني)، مقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية بنحو 85 في المئة، فضلاً عن الديون المتراكمة للمجموعة، ما يعرضها لخطر كبير. وتُقدر تلك القروض بقيمة 30 مليار دولار، ما يجعل شركته من أعلى الشركات مديونية في الهند.

ولم يكتف التقرير بهذا، بل أشار أيضا إلى أن هذه «الديون الكبيرة» تضع المجموعة بأكملها على أساس مالي غير مستقر.

كانت «فيتش غروب» عبرت العام الماضي، في تقرير لها عن مجموعة (أداني)، عن مخاوف قوية بشأن خطط نمو الشركة الممولة بالديون.

وردت عليها مجموعة (أداني) آنذاك بتقرير يقول إن نسب ديونها جيدة وتتوافق مع معايير الصناعة في القطاعات المعنية.

وكرد فعل على تلك الاتهامات، نفت مجموعة (أداني) في تغريدة على تويتر الادعاءات الواردة في التحقيق بعد يومين من نشره، وأكدت أنها ستلاحق قضائيا مركز الأبحاث الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقراً.

.

مسار هبوط أسهم أداني

بعد اتهامه بالتزوير وغسل الأموال، عانت مجموعة (أداني) من ضغوط وعمليات بيع حادة لأسهم شركاته المدرجة بالبورصة، ما أدى لتراجع أسهم معظم شركات (أداني) بين ثلاثة وثمانية في المئة بعد يوم من نشر التقرير.

أدى الانهيار الحاد في قيمة الأسهم إلى فقدان أكثر من 110 مليارات دولار من القيمة السوقية المجمعة للشركات التابعة للملياردير الهندي في الأسابيع الأخيرة، وسط مخاوف من احتمال عدم احتواء عواقب عمليات البيع لأسهم شركات (أداني)، وبما قد يؤثر على البنوك الهندية، التي تحتفظ بأصول للمجموعة أيضاً، إذا استمرت قيمة هذه الحيازات في الانخفاض.


كيف تأثرت شركات (أداني) بعد الأزمة؟

يوم نشر التحقيق، كان سعر سهم شركة (أداني إنتربرايزز) 41.6 دولار، ليهبط إلى أدنى مستوى له في عشر سنوات عند 19 دولاراً في السادس من فبراير شباط، بخسارة تقارب 56 في المئة خلال أسبوعين، وفقاً لبيانات (رفينيتيف).

وانخفضت أسهم (أداني جرين إنرجي) للطاقة 60.7 في المئة منذ نشر التحقيق وحتى يوم الخميس، حيث سجل سعر السهم أدنى مستوى له في عشر سنوات عند 9.2 دولار، بعد أن كان 23.4 دولار قبل الأزمة.

وسجلت أسهم (أداني للموانئ) أدنى مستوياتها في الثاني من فبراير شباط، ووصل سعر السهم إلى 5.6 دولار بنسبة تراجع 40 في المئة، أما (أداني للغاز) فسجلت أدنى مستوى للسهم في عشر سنوات يوم الخميس أيضاً، وذلك عند 16 دولاراً بنسبة هبوط بلغت 66.4 في المئة.

تحركات ضد أداني

الأمر لم يتوقف عند حد الخسائر المالية التي مني بها أداني، بل امتد إلى مطالبات للتحقيق بشأن تلك المزاعم، حيث طالب المشرعون المعارضون في الهند بفتح تحقيق بخصوص تقرير (هيندنبورغ) ونظموا احتجاجاً في مجلس النواب يوم الأربعاء.

وقالت وكالة (موديز) للتصنيفات الائتمانية يوم الجمعة إن هبوط أسهم شركات (أداني) من المرجح أن يقلل من قدرة المجموعة على زيادة رأس المال، كما خفضت (ستاندرد أند بورز) تصنيفها للنظرة المستقبلية لشركتين من شركات (أداني) إلى سلبية من مستقرة، مشيرةً إلى أخطار ارتفاع تكاليف التمويل أو تقلص فرص تدبير رأس المال.

وقالت شركة (ام اس سي اي) «MSCI» لمؤشرات الأسواق العالمية في التاسع من فبراير شباط إنها ستجري مراجعة للتداول الحر على الأوراق المالية للمجموعة، ما أدى إلى عودة الضغوط على (أداني) بعدما ارتفعت أسهمه خلال اليومين السابقين.

وأعلنت (أداني) في بيان يوم الاثنين، أنها ستسدد قروضاً بقيمة 1.11 مليار دولار قبل موعد استحقاقها المقرر في سبتمبر أيلول 2024، في محاولة منها لوقف نزيف بيع الأسهم. كما أعلنت (أداني) للموانئ في السابع من فبراير شباط أنها تتوقع سداد قروض بقيمة 50 مليار روبية (604 ملايين دولار) في السنة المالية المقبلة التي تبدأ في أبريل نيسان.

خسر (أداني) أكثر من نصف ثروته بفعل التراجع الحاد لأسعار أسهم شركاته في البورصة إثر تقرير (هيندنبورغ ريسيرش) الذي يقول المحللون إن المجموعة لم ترد على أسئلته رداً مقنعاً، لتواجه ضغوطاً مالية وسياسية وربما قضائية، بينما تسعى جاهدة لاحتواء خسائرها واستعادة ثقة المستثمرين عبر إثبات حسن إدارتها وسداد ديون قبل موعدها. فإلى متى يصمد قطب الأعمال الهندي في وجه الرياح العاتية التي تعصف بأسطول شركاته؟