تصدّر إطلاق منطقة للتجارة الحرة بين الصين ودول الخليج، بأسرع ما يمكن، المحادثات بين وزير الخارجية الصيني تشين غانغ ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود خلال مكالمة هاتفية مطلع شهر فبراير شباط الجاري.

ودول الخليج جزء من مبادرة الحزام والطريق، التي تضم 147 دولة تمثل ثلثي عدد سكان العالم، وتسهم بنحو 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقاً لبيانات مجلس العلاقات الخارجية الصيني.

كان الخبير الاقتصادي ناصر السعيدي توقع في حديث مع «CNN الاقتصادية» قرب إنشاء منطقة التجارة نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل، وقال السعيدي: «ستُنشأ شراكة استراتيجية جديدة بين الصين ودول مجلس التعاون، التي ستستفيد من خبرات الصين لتنويع اقتصاداتها، وبالمقابل تستفيد بيجين من شبكة البنى التحتية التي استثمرت فيها دول الخليج من أجل الدخول إلى باقي دول المنطقة».

ويتفق معه أنطوني ساسين، كبير استراتيجيي الاستثمار لدى «كرين فاندز أدفايزر»، إذ يتوقع في حديثه لـ«CNN الاقتصادية» إطلاق منطقة التجارة الحرة مع نهاية هذا العام، مشيراً إلى التوافق على الخطوط العريضة بين الجانبين.

خلال الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية أواخر العام الماضي، تم التأكيد على مكانة الصين كشريك استراتيجي في تسريع التنمية في المملكة من خلال تعزيز المواءمة بين مبادرة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني عام 2013، و«رؤية المملكة 2030».

وتزامن ذلك مع رفع صندوق النقد الدولي لتوقعات نمو الاقتصاد الصيني من 4.4 في المئة إلى 5.2 في المئة لعام 2023، بعد تسجيله العام الماضي أسوأ أداء له منذ 46 عاماً بسبب إجراءات الإغلاق التي انتهجتها بيجين لمكافحة جائحة كورونا.

ليس أمراً جديداً

إقامة منطقة تجارة حرة بين الصين ودول الخليج ليس جديداً، فهو مطروح منذ إطلاق منتدى التعاون الصيني- العربي عام 2004، ومع ذلك اقتصر التعاون التجاري والاستثماري بين الصين ودول الخليج على المستوى الثنائي خلال السنوات الماضية، ولم يصل إلى محادثات على مستوى مجلس التعاون الخليجي ككتلة اقتصادية موحدة.

ويعزو روبرت موجينلكي، أحد كبار الباحثين لدى معهد دول الخليج العربية في واشنطن، ذلك إلى عدة أسباب، منها مثلاً تركيز دول الخليج على تنمية اقتصاداتها المحلية في البداية، قائلاً إن «إنشاء منطقة للتجارة الحرة مع الخليج هو إنجاز تطمح إليه بيجين بشدة».

الخليج: بوابة للصادرات الصينية

بات إيجاد مصادر بديلة ومستدامة للطاقة أمراً عاجلاً للسلطات الصينية جرّاء أزمة الطاقة التي شهدتها البلاد خلال جائحة كورونا، والتي أدت إلى ارتفاع أسعار الفحم، الأمر الذي أثر سلباً على قطاعَي البناء والصناعات الثقيلة.

وقال ساسين إن نسبة واردات الصين النفطية من السعودية مثلت 17 في المئة من إجمالي وارداتها النفطية عام 2021، مضيفاً «في عام 2021، وقّعت الصين على اتفاقيات لـ27 عاماً مع قطر لتزويدها بالغاز الطبيعي المسال».

وتعد أسواق دول الخليج بوابة عبور لإعادة تصدير المنتجات الصينية، وفي هذا الصدد أوضح موجينلكي أن الموقع الجغرافي لدول الخليج يزخر بعدد وافر من «الممرات الاقتصادية والطرق البحرية الاستراتيجية المؤدية إلى قناة السويس، التي تربط الشركات الصينية بأسواق جنوب شرق آسيا وإفريقيا وأوروبا لإعادة تصدير منتجاتها».

الصين: شريك استراتيجي للخليج

وبفضل علاقاتها التجارية القوية مع دول الخليج، انتزعت لقب الشريك الاستراتيجي من أوروبا، وتجاوز حجم الاستثمار التراكمي للصين في دول الخليج بين عامي 2005 و2021، ما قيمته 137 مليار دولار، وفقاً لإحصاءات منصة تعقب استثمار الصين العالمي، غير أن توزيع هذه الاستثمارات بين دول الخليج غير متساوٍ، بحسب موجينلكي.

وفي إطار توجهها إلى تنويع اقتصاداتها، تتطلع دول الخليج إلى الإفادة من الصين كشريك استراتيجي في الحصول على المعرفة والخبرات التقنية، ويرى ساسين أن دول الخليج لديها فرص اقتصادية وفيرة وواعدة للشراكة مع الصين في مجالات كثيرة، كالسياحة والاتصالات والطاقة البديلة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والبناء والبنى التحتية وشبكات النقل والموانئ واللوجستيات ونظم المعلومات والاقتصاد السحابي وسلاسل التوريد.

اليوان وأزمة المديونية

صار ربط النفط بالعملة الصينية -اليوان- مطلباً استراتيجياً لبيجين سعياً لكبح سيادة الدولار، لا سيما مع التوترات الجيوسياسية التي تشهدها الاقتصادات العالمية.

ويرى ساسين أن هذا الموضوع سيشكل إفادة اقتصادية لدول الخليج «وهو ليس ببعيد، لكنه لا يزال موضوعاً حساساً وشائكاً».

من جهته، رأى موجيلنكي أن مسألة ربط دول الخليج جزء صادراتها النفطية باليوان «لا تزال بعيدة المنال».

ويبدو جلياً أن الصين عازمة على الاستفادة من الفرص والمضي قدماً في مخططاتها التوسعية رغم الأزمات التي تعاني منها في القطاع العقاري والتحديات التي تواجهها لرفع أداء اقتصادها، إذ بدأت تلوح في الأفق مخاوف إزاء تزايد حجم مديونية الاقتصاد الصيني، الذي تجاوز 18 تريليون دولار عام 2022.