خفّضت وكالة «موديز» تصنيف مصر الائتماني للمرة الأولى منذ عشر سنوات من B2 إلى B3، وعدّلت في المقابل نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري إلى «مستقرة» من «سلبية»، في خطوة «متوقعة» وفقاً للخبراء الاقتصاديين.

وسبق قرار «موديز» الأخير تعديلها النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري في مايو أيار الماضي من «مستقرة» إلى «سلبية»، مما كان ينبئ بخفض التصنيف.

وقال مدحت نافع، محاضر الاقتصاد والتمويل بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن خفض التصنيف الائتماني كان متوقعاً بعد تعديل الوكالة النظرة المستقبلية إلى «سلبية» في مايو أيار الماضي.

وهو الأمر الذي أكدته ضحى عبدالحميد، أستاذة الاقتصاد التمويلي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، التي قالت بدورها لـ«CNN الاقتصادية» إن «الربع الأخير من العام الماضي شهد عدة صعوبات في الاقتصاد المصري، إذ واصلت استثمارات الأجانب في أدوات الدين خروجها، كما كانت الحكومة في انتظار موافقة صندوق النقد الدولي على قرضها بجانب تراجع الاحتياطي النقدي، لذا كان الخفض متوقعاً».

وأرجعت «موديز» خفض التصنيف إلى تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر وقدرتها على امتصاص الصدمات الخارجية في وقت يخضع فيه الاقتصاد لتغيير هيكلي نحو نمو يقوده القطاع الخاص ونظام سعر صرف مرن.

وقالت في تقريرها: «انخفضت الاحتياطيات السائلة إلى 26.7 مليار دولار في نهاية ديسمبر كانون الأول من 29.3 مليار دولار منذ أبريل نيسان الماضي، وبلغ صافي الالتزامات الأجنبية 20 مليار دولار مقارنة بـ13 مليار دولار».

ماذا يعني خفض التصنيف؟

يُعرف معهد المحللين الماليين الأميركي، التصنيف الائتماني بأنه تصنيف تقاس من خلاله قدرة الدول أو الشركات على الحصول على قروض ومدى وفائها بسداد فوائد ديونها أو الأقساط المترتبة عليها ومدى احتمالية التخلف عن السداد.

وتستند الوكالات في تصنيفها للدول على الأداء المالي والاقتصادي والاستقرار النقدي للدولة، وتساعد التصنيفات الائتمانية المستثمرين والمقرضين على فهم المخاطر المرتبطة بالدول والشركات التي تقرضها.

وقال نافع «كلما ارتفع التصنيف الائتماني للدولة، استطعت الاستدانة بتكلفة أقل نتيجة لانخفاض المخاطر المترتبة على المديونيات. وعلى النقيض، كلما انخفض التصنيف يعني أن الدولة ستضطر لرفع أسعار الفائدة بشكل كبير من أجل الحصول على تمويل لاحتياجاتها وهو أمر متعلق بكل أنواع الاقتراض الداخلي أو الخارجي».

وبحسب ضحى عبدالحميد، فإن انخفاض التصنيف يعني تكلفة أعلى على الديون السيادية وكذلك ارتفاع المخاطر السيادية، ما ينعكس على تخوفات المستثمرين الأجانب والمحليين.

وفي رد فعل سريع لخفض التصنيف الائتماني لمصر تراجعت السندات الحكومية المصرية المقومة بالدولار يوم الأربعاء، بما يصل إلى 1.2 سنت مع هبوط استحقاق 2029 إلى 81.233 سنت وفقاً لبيانات «تريدويب» التي أوردتها وكالة «رويترز».

ويعني تراجع سعر السند أن العائد عليه أصبح مرتفعاً عما كان عليه قبل تراجع سعره.

بارقة أمل؟

في المقابل، عدّلت «موديز» النظرة المستقبلية لمصر من «سلبية» إلى «مستقرة»، وهو ما يعطي بعض التفاؤل والإيجابية، حسبما يقول الخبيران الاقتصاديان.

وتتوقع الوكالة أن تدعم استراتيجية بيع الأصول المملوكة للدولة التي أعلنتها الحكومة المصرية كجزء من برنامج صندوق النقد الدولي الجديد، التغيير الهيكلي للاقتصاد وتساعد في توليد تدفقات رأسمالية مستدامة غير متعلقة بالديون لمواجهة مدفوعات خدمة الدين الخارجية المتزايدة خلال العام المقبل.

إلا أن الوكالة في الوقت نفسه لا تتوقع انتعاش السيولة في مصر وتحسن وضعها الخارجي سريعاً.

وتعني النظرة المستقرة أن الاقتصاد تحت المراقبة لو استمرت الحكومة في نفس مسار الإصلاحات التي تنفذها، سيتحسن الوضع بالنسبة لميزان التجارة والمديونيات الخارجية والالتزام بسداد الديون، وفقاً لنافع.

وأضاف: «سيكون هذا العام حاسماً جداً في كثير من الأمور، إذا أبدت الحكومة سرعة في التصرف في تبادل الديون باستثمارات فسيكون ذلك مؤشراً جيداً لوكالات التصنيف الائتماني».

وأشارت «موديز» إلى أنه من المحتمل أن ترفع تصنيفها الائتماني لمصر بناءً على حدوث تحول هيكلي إلى نموذج نمو يولد حصيلة من النقد الأجنبي للوفاء بمدفوعات خدمة الدين، وسينعكس ذلك في زيادة حصة الصادرات غير النفطية بمرور الوقت والتراكم المستدام في احتياطي سيولة النقد الأجنبي مدعوماً بتدفقات غير متعلقة بالديون.

وتضيف ضحى عبدالحميد أن النظرة المستقبلية المستقرة ستكون داعمة لارتفاع التصنيف مرة أخرى في ظل إجراءات تتخذها الحكومة المصرية لتيسير الاستثمارات مثل وثيقة سياسة ملكية الدولة والرخصة الذهبية للصناعة التي تسرّع عملية الاستثمار في مصر.

لكن في الوقت ذاته، يمكن أن يواصل التصنيف انخفاضه «إذا كانت فاعلية الإصلاحات مع صندوق النقد الدولي محدودة أو تدهورت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، فهذا سيشكل ضغطاً سلبياً على التصنيف الائتماني لمصر»، حسب «موديز».

«تبدو كل الاحتمالات قائمة وإذا استمر الوضع الاقتصادي على ما هو عليه من دون تغيير جوهري، قد تنخفض النظرة المستقبلية مجدداً إلى سلبية مثلما حدث في مايو أيار الماضي»، وفقاً لنافع.