أمورٌ كثيرة تقض مضجع المواطن في العراق الذي تخطت نسبة الفقر فيه 25 في المئة من إجمالي السكان عام 2022، وفق لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).

فالتراجع الكبير والسريع للعملة المحلية يثير حالة من الهلع لدى العراقيين، إذ جاء بعد فرض واشنطن إجراءات جديدة على البنك المركزي العراقي منعت تحويلات مالية ومبيعات دولار لصالح مصارف وشركات متهمة بغسل الأموال لصالح جهات مسلحة.

ولم يسهم الاجتماع الذي جرى بين محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق ومساعد وزير الخزانة الأميركية براين نيلسون في تركيا يوم الجمعة في كبح جماح تدهور الدينار، في وقت أعلن فيه مستشار رئيس مجلس الوزراء العراقي ضياء الناصري، يوم الاثنين، أنه سيتم خفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، وفقاً لاقتراح البنك المركزي.

وكتب الناصري -في تغريدة على «تويتر»- أنه «سوف يتم خفض سعر الصرف بحسب اقتراح مقدم من البنك المركزي العراقي إلى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني».

وسجل الدينار العراقي الاثنين انخفاضاً إلى 1650 ديناراً للدولار الواحد في السوق الموازية عقب الإعلان عن التوجه للخفض، بينما يسعّره البنك المركزي عند 1460 ديناراً للدولار.

من جهة أخرى، أشار الخبير الاقتصادي علي متولّي في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إلى أن التباعد اليوم في السعر الرسمي وسعر السوق الموازية، هو الذي يثير حالة من الهلع لدى العراقيين، خصوصاً لجهة المخاوف المتعلقة بإقدام الحكومة مجدداً على خفض إضافي بقيمة الدينار مقابل الدولار.

وتطرّق متولّي أيضاً إلى تقييد السحوبات النقدية بالعملات الصعبة، وهو الأمر الذي ساعد في صعود سوق موازية نشأت لسد حاجة المستوردين وعززت المضاربات.

ولفت متولي كذلك إلى أن الضوابط الأخيرة التي فرضت على موضوع التحويلات المالية الخاصة بالتبادل التجاري مع إيران -الذي بلغ نحو 10 مليارات دولار العام الماضي- ستساعد أيضاً في ضبط خروج العملات الصعبة من البلاد.

سوء إدارة ومحاصصة

ما يعانيه العراق من أزمة مركبة اجتماعية واقتصادية ومالية ونقدية وسياسية هو نتيجة «سوء إدارة ومحاصصة في كل مراكز الدولة»، حسب ما شرح الخبير الاقتصادي العراقي عبدالرحمن المشهداني، في حديث لـ«CNN الاقتصادية».

ويرى المشهداني أن «عدم الكفاءة الذي يسود الإدارات العامة، من وزارة التجارة إلى البنك المركزي العراقي، يعتبر المسؤول الأول والأخير عن تراجع الدينار أمام الدولار، والوضع الاقتصادي الهشّ».

وقال «إن الحكومة -ومعها البرلمان- تعيّن الرجل المناسب في المكان غير المناسب، والعكس صحيح»، متسائلاً: «كيف يمكن تنصيب محافظ بنك مركزي لديه شهادة في القانون، بدلاً من أن تكون لديه شهادة في علم الاقتصاد؟».

وتساءل «كيف يُترك القطاع التجاري بأكمله بين أيدي الصرافين لتسود فيه حالات التهرب الضريبي والفواتير الوهمية؟».

فعلى الرغم من أن العراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، بعد السعودية، وقد حقق عائدات نفطية تجاوزت 115 مليار دولار خلال 2022، فإنّ حالة عدم الاستقرار السياسي لا تزال تسيطر على جميع مرافق الدولة، حتى إن صندوق النقد الدولي وصف في تقريره الأخير الاقتصاد العراقي بالـ«هشّ».

ولفت المشهداني إلى أنه قبل شهر واحد فقط، وفي خضم الأزمة، تم تعيين 850 ألف موظف في القطاع العام، على أساس سياسي خالٍ من التوظيف على أساس الكفاءة.

وأوضح أن تكاليف الرواتب والأجور ارتفعت من 41 تريليون دينار (27.7 مليار دولار) إلى 62 تريليوناً (41.9 مليار دولار) خلال عام واحد، تبعها رفع مخصصات المنافع الاجتماعية من 18 تريليون دينار (12.2 مليار دولار) إلى 36 تريليوناً (24.4 مليار دولار).

فكيف تُحل الأزمة في ظل هذه الإجراءات، حسبما تساءل المشهداني، مشيراً إلى وجوب تطبيق إصلاحات أساسية في القطاعين المصرفي والقضائي، بالإضافة إلى تأمين استقرار سياسي في البلاد لجذب المستثمرين.

تفاؤل رغم التوترات

من جهته، قال الخبير الاقتصادي متولي، في حديث لـ«CNN الاقتصادية» إن هناك إيجابيات أساسية على الساحة العراقية، أهمها يكمن في انتخاب حكومة بعد فترة من الفراغ أثرت بشكل كبير على الاستقرار في البلاد.

ومن الأمور الإيجابية أن «هذه الحكومة تبعث على التفاؤل لناحية التوصل إلى اتفاق حول الموازنة العامة للدولة، الأمر الذي قد يدعم الاستثمارات في القطاع الخاص، على الرغم من التقلبات السياسية».

لكنه من جهة أخرى، أكد أن السلبيات في الجانب السياسي، التي تتجلى في التوتر بين الأحزاب من جهة والوجود الأميركي الداعم للحكومة من جهة أخرى، من شأنها مفاقمة عدم الاستقرار على الساحة العراقية والتأثير على الوضع الأمني بشكل خاص.

وضع سياسي غير مستقر

ويرى متولي أن المؤشرات الاقتصادية «تدل بلا شك على وجود ضغط مالي كبير على المستهلكين الأفراد».

وأضاف «هناك نمو في الاقتصاد على الرغم من الوضع السياسي غير المستقر نسبة للموازنة القوية التي تتمتع بها الحكومة العراقية، أولاً بسبب الاحتياطيات الجيدة التي لدى (المركزي)، وثانياً بسبب الدعم الذي تلقته البلاد بفضل عائدات النفط القياسية في 2022».

أبرز مخاوف المواطن العراقي

لعل أبرز ما يخيف المواطن العراقي اليوم هي أسعار المواد الاستهلاكية الأساسي، التي يستورد العراق أغلبها من الخارج، وهو الأمر الذي يتأثر بتغير سعر الصرف، حسب ما أشار متولي.

وتابع أن غالبية الفئات في القطاعين العام والخاص تأثرت بذلك خصوصاً بعد خفض الأجور والبطالة المرتفعة الناتجة عن انتشار جائحة كورونا.

يُذكر أن الحد الأدنى للأجور في العراق لا يتعدى 400 ألف دينار، أي ما يعادل نحو 270 دولاراً.

اقتصاد العراق.. بالأرقام

في ما يلي بعض المعطيات عن الاقتصاد العراقي:

  • احتياطيات البنك المركزي 64.2 مليار دولار، إجمالي الدين العام 70 مليار دولار، بحسب أرقام الحكومة الصادرة منتصف يناير 2023، مقسمة كالتالي: نحو 50 مليار دولار ديوناً داخلية، و20 ملياراً ديوناً خارجية تستحق في 2023.

  • سعر الصرف الرسمي 1470 ديناراً للدولار، سعر الصرف في السوق الموازية 1620 للدولار.

  • ارتفعت العائدات النفطية خلال 2022 إلى 115 مليار دولار، مقابل 75 مليار دولار في 2021، و42 مليار دولار في 2020.
  • بحسب أرقام صندوق النقد الدولي، يتكبد العراق خسائر سنوية تزيد على 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بسبب قطاع الكهرباء، وفاتورة الأجور الحكومية التي تستهلك نحو 40 في المئة من الموازنة السنوية.