«حتى الأخبار السارة ستكون محزنة للمواطن السوداني»، هكذا وصف المحلل المالي، عمرو زكريا، الوضع في السودان، مشيراً إلى أنه حتى انتهاء الحرب لن ينقذ الاقتصاد الذي خسر خلال أيام قليلة من الاشتباكات تعافياً كان متوقعاً، وسيكون بحاجة إلى «خطة مارشال» لإنقاذه.

وأضاف المحلل السوداني أن الوضع الاقتصادي كارثي والطلب المرتفع للغاية على السلع، متوقعاً أن يواصل ارتفاعه، ومؤكداً أن الاشتباكات المتواصلة ستكون وطأتها مدمرة على السودان الذي يعاني أصلاً من اقتصاد هش للغاية.

العاصمة الخرطوم أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان، وأغلبهم نازحون اقتصاديون يأتون من مناطق مهمشة بحثاً عن فرص عمل أفضل.

ومعظم سكان الخرطوم حرفيون يكسبون رزقهم بشكل يومي وهم من العمالة غير المنتظمة التي يعتمد مصدر رزقها على الأعمال الحرة، لكن الحرب عطلت مصدر رزق الملايين منهم وتحول بينهم وبين قوت يومهم.

ويقول زكريا إن شعب السودان بدأ يلمس تداعيات الأزمة، من انعدام المواد الغذائية الأساسية والأدوية وتوقف المواصلات، خاصة مع إغلاق مطار الخرطوم منذ اليوم الأول لاندلاع الاشتباكات.

ثورة جياع في السودان؟

وإلى جانب الفصيلين المتحاربين، بحسب زكريا، هناك أيضاً جماعات مهمشة في ولاية الخرطوم تهدد باندلاع «ثورة جياع»، مع قيام بعضها بالسطو على المصانع وسرقة الدقيق وممارسة أعمال تخريب للبنية التحتية وسرقة لآلات المصانع نفسها.

مع هذا الوضع الأمني الكارثي، لا يمكن لأي مستثمر -حتى لو كانت الأرباح مغرية له- أن يفكر بالاستثمار في السودان مهما كان من أرباح، رأس المال معروف أنه جبان.
عمرو زكريا
محلل مالي سوداني

وشهدت أسعار سلع أساسية مثل الدقيق والزيوت والأجبان والسكر ارتفاعاً كبيراً منذ بدء الاشتباكات.

سيكون لذلك كله تداعياته على الاقتصاد، وفقاً لزكريا، وفي غياب حل عاجل سيخسر السودان الكثير من الاستثمارات الأجنبية التي كان بإمكانها أن تنقذ الاقتصاد الذي عانى من انكماش على مدى سنوات بلغ 2.5 في المئة في 2022، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

وقال إن للسودان ميزة نسبية في القطاع الزراعي الذي كان من الممكن أن يجذب المستثمرين.

وتابع «مع هذا الوضع الأمني الكارثي، لا يمكن لأي مستثمر -حتى لو كانت الأرباح مغرية له- أن يفكر بالاستثمار في السودان مهما كان من أرباح، رأس المال معروف أنه جبان».

تضخم من خانة العشرات إلى المئات

يقدر زكريا أن نسبة التضخم الحالية ربما تصل إلى نحو 200 في المئة، بعد أن كان متوقعاً أن يدور بين 40 و50 في المئة في نهاية السنة.

كان التضخم وصل إلى مستويات فائقة وتخطى عتبة الـ420 في المئة خلال الأعوام السابقة، لكنه عاود هبوطه ليسجل نحو 64 في المئة في بداية 2023.

وفي ظل توقف تام للصادرات وللواردات، وإغلاق المرافق الرئيسية، صار على البنك المركزي السوداني أن يسد عجز العملة عبر طباعة النقود، وذلك بدوره سيساهم في رفع نسب التضخم التي ستطول المسكن والمشرب والغذاء والعلاج وقطاعات كثيرة أخرى.

وأعطى زكريا مثلاً أسعار بطاقات الحافلات التي كانت تكلّف ما بين 25 و30 جنيهاً سودانياً، وأصبحت تسجل اليوم بين 300 و400 جنيه.

واستبعد أن تتبلور الاستثمارات العربية، وخاصة السعودية في مجال الزراعة، في المستقبل القريب ما استمر الصراع الدائر حالياً، والذي يهدد بتفاقم الجوع وانتشار الفوضى.