ظلَّ المشرعون الأميركيون مقتنعين كل الاقتناع بأن تطبيق «تيك توك» الصيني يمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي، حتى بعد إدلاء الرئيس التنفيذي لشركة «تيك توك» شو تشيو بشهادته لأكثر من خمس ساعات أمام لجنة في الكونغرس، يوم الخميس.

ظهر تشيو لأول مرة أمام الكونغرس الأميركي، يوم الخميس، وبدأت جلسة الاستماع بمشروع دعا إلى حظر «تيك توك»، وشكك عدد من المشرعين في فعالية جهود «تيك توك» لحماية بيانات المستخدمين الأميركيين، كما بدت محاولات تشيو لإقناعهم بعكس ذلك، غير مجدية بالمرة.

قال رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، خلال الجلسة، إنه يدعم التشريع الذي يحظر «تيك توك»، وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكين إن «تيك توك» يجب أن «ينتهي بطريقة أو بأخرى»، كما أصدرت وزارة الخزانة بياناً تعهدت فيه بـ«حماية الأمن القومي»، ولكن من دون ذكر اسم «تيك توك».

أدت المخاوف بشأن علاقة شركة «تيك توك» بالصين إلى قيام العديد من الحكومات في أنحاء متفرقة من العالم بحظر التطبيق على الأجهزة الرسمية، وأثرت تلك المخاوف على العلاقة المتوترة بالفعل بين الولايات المتحدة والصين.

ولكن تبقى الأدلة غير واضحة بشأن ما إذا كان التطبيق يمثل تهديداً فعلياً للأمن القومي أم لا، إذ تدور المخاوف فقط حول إمكانية استخدام «تيك توك» بواسطة الاستخبارات الأجنبية، ولكن لم تُثبت الأدلة أن الحكومة الصينية تجسست بالفعل على مستخدمي التطبيق.

أين تكمن المخاوف؟

رغم أن تطبيق «تيك توك» لا يعمل في الصين من الأساس، تكمن المخاوف في النفوذ الكبير الذي تتمتع به الحكومة الصينية على الشركات التي تخضع لولايتها القضائية ما قد يدفع الشركة الأم لـ«تيك توك» «بايت دانس» إلى مشاركة بيانات التطبيق مع الحكومة.

قوانين الأمن القومي الصينية واسعة بشكل كبير وتطالب أي منظمة أو مواطن في الصين بدعم أعمال الدولة الاستخباراتية والتعاون معها من دون تعريف واضح لماهية الأعمال الاستخباراتية، وفقاً لخبراء قانونيين غربيين.

وفي حالة وصول بكين إلى المعلومات الشخصية لمستخدمي «تيك توك» تنمو مخاوف من استخدام الاستخبارات الصينية لتلك المعلومات لمصالحها الاستخباراتية.

فعلى سبيل المثال قد تمكّن تلك البيانات الصين من استقطاب عملاء استخباراتيين لمصلحتها عن طريق الضغط بواسطة معلوماتها على نقاط ضعفهم.

وعلى الرغم من أن المراهقين، الذين لا يبدو أن لديهم ما يخفونه، يشكلون القاعدة العريضة لمستخدمي «تيك توك» فإن بعضهم قد يصبحون مسؤولين حكوميين أو صناعيين في أميركا في غضون سنوات، وحينها سيصبح تاريخ حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي ذا أهمية للخصوم الأجانب.

احتمالية أن الصين لها يد في طريقة عمل خوارزميات «تيك توك» تشكل مخاوف أخرى، إذ قد يمكّنها هذا من الضغط على الشركة لتؤثر على الانتخابات الأميركية، وصنع السياسة، والحوار الديمقراطي.

هل تلك المخاوف مبررة؟

استناداً إلى ما هو معروف عن قوانين الصين وهيكل ملكية «تيك توك» فإن هذه السيناريوهات محتملة، ولكنها افتراضية، وفقاً لخبراء الأمن، إذ لا يوجد دليل فعلي على استخدام الصين أي بيانات لأغراض استخباراتية، وهو ما أكده تشيو خلال جلسة الاستماع إذ قال «أعتقد أن الكثير من المخاطر التي تم الإشارة إليها افتراضية ونظرية، لم أر أي دليل».

ولكن الحقيقة أن طرق التحقق من مدى استغلال العلاقة بين بكين وشركة «تيك توك»، لأغراض استخباراتية، قليلة للغاية.

اعتبارات أخرى

واجهت «تيك توك» ادعاءات مفادها أن متصفحها داخل التطبيق يتتبع إدخالات لوحة مفاتيح المستخدمين، وقيل إن هذه الخاصية ليست ضارة بطبيعتها، ولكنها قد تمثل خطراً أمنياً إذ تمكن «تيك توك» من جمع كلمات المرور أو معلومات بطاقات الائتمان أو غيرها من البيانات الحساسة، حسبما قال فيليكس كراوس، الباحث في الخصوصية الذي أجرى التحليل العام الماضي.

ولكن لا يوجد دليل على قيام «تيك توك» بذلك بالفعل، وقالت «تيك توك» إن خاصية تتبع لوحة المفاتيح تستخدم لتصحيح الأخطاء ومراقبة الأداء.

من جهة أخرى، أفادت بعض الدراسات أن «تيك توك» يتتبع المستخدمين حول الإنترنت حتى في أوقات عدم استخدام التطبيق، وتستخدم شركات التكنولوجيا الكبرى الخاصية نفسها على نطاق أوسع، وفقاً لشركة «مالويربايتس» الرائدة في مجال الأمن السيبراني.

وعلق تشيو في جلسة الاستماع على ذلك بأن تلك الخاصية تُستخدم في تتبع الروبوتات وليس لتتبع ما يقوله المستخدمون، وأكد مراراً على أن «تيك توك» لا تجمع بيانات أكثر مما تجمعه تطبيقات التواصل الاجتماعي المنافسة.

أزمة «تيك توك» تعكس المساحة التي أعطيناها لشركات التكنولوجيا

قد تجمع «تيك توك» كمية كبيرة من البيانات، ولكنها ليست أكثر عدوانية من شركات التكنولوجيا الأمريكية الأخرى، وفق ما يقوله الخبراء، إذ يعكس هذا الموقف المساحة الكبيرة التي منحناها لشركات التكنولوجيا بشكل عام للتعامل مع بياناتنا، فالمشكلة لا تخص «تيك توك» وحدها.

قال بيتر زاتكو، رئيس الأمن السابق في “تويتر” إن سماحنا للشركات بالاطلاع على بياناتنا يعني أن «علينا أن نثق في أن تلك الشركات تفعل الشيء الصحيح فيما يتعلق بالمعلومات وإمكانية الوصول لبياناتنا التي قدمناها لهم»، وأضاف «ولكن ربما لا ينبغي لنا ذلك، إذ إن استخدام تلك البيانات يعود في النهاية لسياسة تلك الشركات».

بريان فونج وكلير دافي (CNN)