عانى الاقتصاد العالمي من عام صعب. فقد أدى التضخم، الذي وصل إلى أعلى مستوياته في عقود، إلى تقليص الإنفاق بعد إغلاقات كورونا، ودفع البنوك المركزية إلى زيادة تكاليف الاقتراض بشكل غير مسبوق للسيطرة عليه.

قد يكون سعيهم لإدارة الأسعار فعّالًا، لكن تكلفته ستكون باهظة في عام 2023.

يقول كاي دانيال نيوفيلد، مدير ورئيس قسم التوقعات في مركز الاقتصاد وأبحاث الأعمال، «من المرجح أن يواجه الاقتصاد العالمي ركودًا العام المقبل، نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة استجابةً لارتفاع التضخم».

لا يتفق الجميع على أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو الركود، لكن مع توقع تباطوء النمو بشكل أكبر، حتى بعد تباطوءه الحاد في عام 2022، أصبح الركود محتملًا.

وتوقع صندوق النقد الدولي في أكتوبر تشرين الأول، أن ينخفض معدل النمو العالمي إلى 2.7 في المئة في 2023، وباستثناء الأزمة المالية العالمية وأسوأ مراحل الوباء، فإن هذا سيكون أضعف عام للاقتصاد العالمي منذ 2001.

وفي نوفمبر تشرين الثاني، حذّر الصندوق من أن المشهد أصبح «أشد قتامة» منذ نشر تلك التوقعات.

وهناك ثلاثة عوامل ستحدد إذا كان الركود العالمي سيتحقق بالفعل: ما ستفعله البنوك المركزية بعد ذلك، ونتائج إعادة الفتح في الصين، وأسعار الطاقة.

إليك كيف يمكن لكل من هذه المتغيرات الكشف عما سيكون عليه العام المقبل.

البنوك المركزية

وصف صندوق النقد التضخم بأنه «التهديد الأكثر إلحاحًا للازدهار الحالي والمستقبلي»، وبينما بدأت معدلات التضخم في الانخفاض في الولايات المتحدة وأوروبا مع تراجع أسعار الطاقة، وفي حين يسري أثر معدلات الفائدة المرتفعة في الاقتصاد، أوضحت البنوك المركزية أنها لا تنوي التوقف عن رفع الفائدة قريبًا، حتى وإن كانوا مستعدين لزيادات أصغر.

ويعمل محافظو البنوك المركزية على أساس كل اجتماع على حدة، وفقًا لتحليل أحدث البيانات التي تأتيهم، وقد شددوا على أنهم لا يعرفون إلى أي مدى سيحتاجون إلى رفع أسعار الفائدة، أو إلى متى سيحتاجون إلى إبقائها عند تلك المستويات المرتفعة، من أجل إعادة التضخم إلى ما يقرب من 2 في المئة والحفاظ عليه عند هذا المستوى.

إذا استمرت الأسعار في الارتفاع بأكثر مما يرغبون، فقد تكون البنوك المركزية أشد شراسة مما هو مخطط له، ما يفرض مزيدًا من الضغط على الاقتصاد العالمي.

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، جيروم باول، بعد اجتماع البنك هذا الشهر، «نعتقد أنه سيتعين علينا الإبقاء على خطة تقييدية لبعض الوقت».

الصين

استطاعت الحكومة الصينية الحد من انتشار «كوفيد-19» لنحو ثلاث سنوات، باستخدام الحجر الصحي المركزي والفحوص الجماعية وتتبع التحركات الصارم. والآن، بعد احتجاجات في أنحاء البلاد ضد القيود الصارمة، بدأت تتراجع بشكل مفاجئ عن هذه الإجراءات.

إعادة الفتح الوشيكة لثاني أكبر اقتصاد في العالم يمكن أن تحفز النمو، لكنها تنطوي أيضًا على مخاطر.

يقول بروس كاسمان، رئيس الأبحاث الاقتصادية والسياسية في «جيه بي مورجان تشايس»، «تُظهر التجارب الحديثة أن الانتكاسات الكبيرة تحدث عادةً عندما يكون فتح الاقتصاد سابقًا لأوانه وتكون أنظمة الرعاية الصحية مُثقلة».

تجتاح الصين حاليًا موجة من الإصابات بفيروس كورونا، لكن حتى الآن تمضي بكين قُدمًا في خططها لتخفيف القيود، وأعلنت هذا الأسبوع أنها ستُسقط متطلبات الحجر الصحي للوافدين من خارج البلاد بدءًا من أوائل يناير كانون الثاني، في خطوة كبيرة نحو إعادة فتح حدودها، بينما تفرض دول أخرى الآن قيودًا على المسافرين من الصين، خوفًا من نشوء متحورات جديدة.

أسعار الطاقة

تستمر حرب أوكرانيا في إضفاء حالة من عدم اليقين على التوقعات، خاصة بالنسبة للدول الأوروبية، والتي تسعى للاستغناء عن الطاقة الروسية، لكنها لا تزال تواجه عجزًا.

وكشف تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية أن أوروبا قد تواجه نقصًا في الغاز الطبيعي في عام 2023 إذا أوقفت روسيا جميع صادرات الغاز إلى المنطقة وأصبح الطقس أكثر برودة.

وهناك سبب آخر: القفزة المحتملة في الطلب على الطاقة من الصين مع انتعاش اقتصادها.

وتقول ديان سونك، كبيرة الاقتصاديين في شركة «كي بي إم جي» (KPMG)، «العاملات مترابطان؛ فأحد أسباب أن أسعار الطاقة [أقل] هو أن الصين ضعيفة بشكل غير عادي».

وأشارت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الجولة الأخيرة من توقعاتها الاقتصادية قد تتطلب مراجعات إذا أدى نقص إمدادات الطاقة إلى ارتفاع الأسعار أكثر، أو إذا احتاجت الحكومات في أوروبا إلى فرض تقنين الاستهلاك لخفض الطلب على الغاز والكهرباء هذا الشتاء والشتاء المقبل.

ماذا يعني الركود العالمي؟

سواء وقع العالم في ركود أم لا، فمن المرجح أن تكون الأشهر الاثني عشر المقبلة صعبة.

ويتوقع بنك «سيتي برايفت» أن يشهد العالم أبطأ نمو اقتصادي في الأربعين عامًا الماضية، باستثناء عام 2020 والأزمة المالية 2007-2008.

وحتى في حالة تجنب ركود عالمي، فلا يزال أمام العديد من الدول فترات ركود محتملة مصحوبة بارتفاعات قاسية في البطالة، على الرغم من أن الاقتصاديين لا يتفقون على مدى شدتها أو إلى أي مدى يمكن أن تطول.

وقال صندوق النقد في أكتوبر تشرين الأول «الأسوأ لم يأتِ بعد، وبالنسبة لكثير من الناس سيكون عام 2023 كأنه الركود»، مشيرًا إلى أن التباطؤ «سيكون واسع النطاق» وقد «يعيد فتح الجروح الاقتصادية التي شُفيت جزئيًّا فقط بعد الوباء».