عرقلت حرب غزة مساعي إسرائيل لأن تصبح مركزاً عالمياً للتجارة الدولية، إذ نشطت في السنوات الماضية في إقامة ممرات برية وشبكات سكك حديدية لتمهيد الطريق أمام السلام الاقتصادي ولتصبح مركزاً تجارياً لأوروبا مع غرب آسيا.
ومن المتوقع أن يصل حجم الإنفاق على شبكات السكك الحديدية وإدخال قطارات عالية السرعة لربط المدن والمراكز الرئيسية إلى نحو 35 مليار دولار، بحسب الخطة الاستراتيجية لشركة السكك الحديد الإسرائيلية لعام 2040.
كما أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو خلال افتتاح مشروع السكك الحديد الخفيفة في تل أبيب منذ شهرين عن ثورة في عالم النقل ستشهدها إسرائيل وخطط بقيمة 27 مليار دولار لربط مدينة كريات شمونة الشمالية بمنتجع إيلات على البحر الأحمر في أقصى الجنوب.
يأتي ذلك ضمن الترويج الذي بدأته إسرائيل مؤخراً لاستئناف العمل في قناة بن غوريون، والمخطط لها ربط ميناء إيلات على البحر الأحمر بميناء عسقلان على البحر المتوسط والمتاخم للحدود الشمالية لقطاع غزة والتي من المتوقع أن تكون منافساً لقناة السويس.
هذا بالإضافة إلى مشروع رد ميد (Red Med) الذي يندرج ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية لربط ميناء إيلات بمرفأ أشدود عبر القطار و63 جسراً ونفقاً بتكلفة تتراوح من 6.5 إلى 13 مليار دولار، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.
أما ممر الهند التجاري (IMEC) الذي أُعلن عنه خلال قمة دول العشرين الأخيرة والذي ترعاه الولايات المتحدة فهو ممر بحري وبري للشحن يبدأ بالهند ويربط كلاً من آسيا والشرق الأوسط بأوروبا عبر ميناء حيفا وصولاً إلى ميناء بيرايوس في اليونان والذي تديره حالياً الصين.
ويعتبر هذا المشروع طريقاً بديلة عن مبادرة الحزام والطريق الصينية، وتواجه الصين حالياً اتهامات بإغراق الدول بالمديونية نتيجة تمويلها مشاريع البنى التحتية للنقل في الدول المستفيدة من مبادرة الحزام والطريق.
أولوية المصالح الوطنية
ويرى يسار جرار، مدير شركة «أيه أي جي» للاستشارات والأستاذ في كلية هالت العالمية للأعمال أن «المستقبل غير المؤكد للتجارة والاقتصاد العالمي يجبر العديد من الدول حول العالم على إعادة التفكير في سلاسل التوريد، والتركيز على المصالح الوطنية وأمن الغذاء والطاقة»، مضيفاً أن التوترات الجيوسياسية، مثل الحرب في أوكرانيا تؤدي إلى زيادة الحمائية وتقليل الاعتماد على الواردات من الدول الأخرى.
وقال جرار في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن «تغير المناخ دفع الدول إلى التركيز على إنتاج الغذاء والطاقة محلياً خاصة مع التهديدات المناخية على قناة بنما المعرضة للجفاف».
وأضاف «أن هذه الاتجاهات سيكون لها تأثير كبير على التجارة العالمية في السنوات المقبلة، ومن المرجح أن نرى زيادة في التجارة الإقليمية وتقليل التجارة بعيدة المدى، كما أننا من المرجح أن نرى زيادة في الاستثمار بسلاسل التوريد المحلية والقصيرة».
ولفت إلى أن إسرائيل تريد الاستقلالية في سلاسل التوريد للحد من الاعتماد على الدول الأخرى في المواد الغذائية والطاقة والأدوية، كاشفاً أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن الاستقلالية في سلاسل التوريد ستجعل إسرائيل أقل عرضة لضغوط الدول الأخرى، «ومن هنا جاء مشروع قناة بن غوريون الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، ويقلل الاعتماد على قناة السويس».
قناة بن غوريون.. وهم أم حقيقة؟
ليس مشروع شق قناة بحرية من إيلات إلى عسقلان بالجديد، إذ يعود إلى عهد بن غوريون رئيس الوزراء الأول لإسرائيل.
وقال عصام الدين بدوي أمين عام اتحاد الموانئ البحرية العربية لـ«CNN الاقتصادية» إن الموضوع قد «تجدد الحديث عنه إبان حادثة سفينة الحاويات الضخمة إيفر غيفن (Ever Given) التي علقت في قناة السويس في مارس آذار عام 2021 بعد أن انحرفت عن مسارها جرّاء عاصفة رملية».
وتسببت هذه الحادثة آنذاك في إغلاق قناة السويس لمدة ستة أيام عطلت خلالها الملاحة البحرية وحركة التجارة الدولية.
وقدرت حينها شركة أليانز للتأمين (Allianz) التكلفة اليومية جرّاء تقليص حجم التجارة الدولية بين ستة وعشرة مليارات دولار، أو بنحو 400 مليون دولار في الساعة.
وفي هذا السياق قال بدوي «إن نسبة الحوادث في قناة السويس لا تتعدى اليوم تسعة في الألف»، مشيراً إلى أن هناك عقبات كثيرة تعترض قيام مشروع قناة بن غوريون، مؤكداً أن قناة السويس «خارج المنافسة»، على حد قوله.
وتساءل حول فائدة هذا المشروع والمكاسب المنتظرة منه، لافتاً إلى العقبات الأساسية التي تحول دون القدرة على تنفيذ هذا المشروع مثل الجدوى الاقتصادية منه والتكلفة الباهظة والطبيعة الجيولوجية الصخرية لخليج العقبة وكثافة التضاريس وقلة عرض المدخل الذي تعترضه جزيرتا تيران وصنافير الأمر الذي يجعل الملاحة فيه صعبة ومعقدة.
ولفت إلى أن الشرط الأول للقيام بذلك هو تحقيق السلام لتحقيق الفائدة الاقتصادية للطرفين.
وأشاد بدوي بالإنجازات التوسعية لقناة السويس التي حققت هذا العام عائدات لامست عتبة تسعة مليارات دولار.. وقال «ولو أن مصر تنبهت متأخرة لأهمية هذا الموضوع إلا أنها أنشأت مناطق اقتصادية حرة ومشاريع استثمارية ذات قيمة مضافة لتستقطب الكثير من الاستثمارات الأجنبية لا سيما تلك المتعلقة بالهيدروجين الأخضر».
أنشأت مصر العديد من المناطق الاقتصادية على مساحة 455 مليون متر، بحسب بدوي.
ويضم خليج السويس أربع مناطق صناعية وستة موانئ باستثمارات إجمالية وصلت إلى 18 مليار دولار.
وزادت هذه التوسعات من فاعلية الملاحة في المسار المزدوج وقللت من وقت العبور كما قلّصت وقت الانتظار وخفّضت تكاليف خطوط الشحن.