في المشهد الجيوسياسي المضطرب في الشرق الأوسط، أدت التصعيدات الأخيرة بين إسرائيل وإيران مرة أخرى إلى وضع سوق الطاقة العالمية في حالة تأهب قصوى.

وبعد أن قفزت أسعار النفط يوم الجمعة في حين تراجعت الأسواق الآسيوية، مع قلق المستثمرين العالميين من تصاعد الصراع في الشرق الأوسط بعد أنباء عن انفجارات بالقرب من مدينة أصفهان الإيرانية، تراجعت أسعار النفط في أعقاب صعودها بأكثر من ثلاثة دولارات في وقت سابق من اليوم الجمعة.

وبحلول الساعة 1155 بتوقيت جرينتش، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت 48 سنتا أو 0.6 بالمئة إلى 86.63 دولار للبرميل. وتراجعت العقود الأكثر تداولا لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 38 سنتا أو 0.5 بالمئة إلى 82.35 دولار للبرميل.

وقال مسؤول أميركي لشبكة «CNN» إن إسرائيل نفذت ضربة داخل إيران، وهي خطوة تهدد بدفع المنطقة إلى صراع أعمق، وقال الجيش الإسرائيلي إنه «ليس لديه تعليق في الوقت الحالي»، عندما سألته شبكة «CNN» عن التقارير عن انفجارات في إيران.

وكان قد قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يوم الخميس إن إسرائيل ستتخذ «قراراتها الخاصة» عند الرد على الغارات الجوية الإيرانية غير المسبوقة في نهاية الأسبوع، والتي تم اعتراض معظمها.

وشنت إيران الهجوم رداً على غارة إسرائيلية مشتبه بها على مجمع سفارتها في سوريا في وقت سابق من هذا الشهر.

ولتسليط الضوء على تداعيات التصعيدات على أسواق الطاقة، تحدثت «CNN الاقتصادية» مع نيل أتكينسون، الرئيس السابق لقسم صناعة وأسواق النفط في وكالة الطاقة الدولية ومحلل سوق الطاقة المستقل.

قال أتكينسون، «في هذه اللحظة، ما نشهده هو رقصة انتقامية محسوبة بين إيران وإسرائيل».

ويضيف «على الرغم من أن هذه الهجمات مثيرة للقلق، فإنها تبدو منسقة بدرجة من ضبط النفس، ما يشير إلى إحجام الجانبين عن تأجيج صراع شامل».

مصير سوق الطاقة

بينما تشتعل التوترات، يظل تأثيرها على إنتاج النفط وتجارته ضعيفاً نسبياً. وأشار أتكينسون إلى أنه منذ أكتوبر تشرين الأول، وبصرف النظر عن الاضطرابات الناجمة عن هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، لم يكن هناك اضطراب كبير في أسواق الطاقة.

ومع ذلك، فإن شبح المزيد من التصعيد يلوح في الأفق بشكل كبير في السوق، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط.

وأوضح أتكينسون أن «الخوف من احتمال إغلاق أو حصار مضيق هرمز، وهو طريق تجاري مهم للنفط الخام، يؤجج وتيرة ارتفاع الأسعار».

وعلى الرغم من هذه المخاوف، يظل أتكينسون متفائلاً بحذر بشأن احتمال انقطاع كبير للإمدادات، وأكد أنه «ليس لإسرائيل ولا إيران ولا الولايات المتحدة مصلحة في تعطيل أسواق الطاقة إلى الحد الذي يؤدي إلى تداعيات اقتصادية واسعة النطاق».

وبينما يعتبر إغلاق مضيق هرمز على الرغم من كونه كارثياً في عواقبه المحتملة، فهو غير محتمل إلى حد كبير بسبب الوجود البحري الساحق في المنطقة، وخاصة من قبل الولايات المتحدة.

ويعد مضيق هرمز، الذي يقع في منطقة الخليج، أحد أهم الممرات المائية في العالم وأكثرها حركة للسفن كما يتدفق عبره نحو خمس إنتاج النفط العالمي يومياً.

وعند النظر في ديناميكيات سوق النفط الأوسع، سلط أتكينسون الضوء على التوازن الدقيق بين ارتفاع الطلب العالمي وزيادة الإنتاج من الدول غير الأعضاء في أوبك. وبينما من المتوقع أن ينمو الطلب، خاصة في عام 2024، فإن زيادات الإنتاج قد تعوض هذا النمو، ما يحافظ على سوق مستقر نسبياً.

كما أكد أتكينسون على أهمية مراقبة التطورات في الشرق الأوسط عن كثب قائلاً «سيكون تدفق الأخبار حاسماً في تحديد مسار أسعار النفط»، ومن الممكن أن يكون لأي تصعيد إضافي آثار بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي.

وفي حالة انقطاع الإمدادات، يقول أتكينسون إن مخزونات النفط العالمية ستكون كفيلة بامتصاص التأثير المباشر على المدى القريب.

ومع ذلك، فإن الارتفاع المستمر في الأسعار يمكن أن يشكل تحديات، ما قد يؤثر على معدلات التضخم ويعقّد قرارات السياسة النقدية.

وفي ختام المحادثة، تطرق أتكينسون إلى التداعيات السياسية المحتملة لارتفاع أسعار النفط، خاصة في سياق الانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة. وتكثر التكهنات بشأن رد إدارة بايدن، مع احتمال سحب المزيد من الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية.

وفي التعامل مع تعقيدات التوترات في الشرق الأوسط وتأثيرها على أسواق الطاقة، يجب على أصحاب المصلحة أن يظلوا يقظين ومستعدين للتكيف مع الظروف المتطورة مع أملهم في وقف تصعيد الأعمال العدائية. وكما لخص أتكينسون بشكل مناسب، «هناك الكثير على المحك هنا، وعلينا أن نأمل في الأفضل بينما نستعد لأي احتمال».

وبينما يراقب العالم، فإن مصير أسواق الطاقة معلق في الميزان، ومقيد بمد وجزر الاضطرابات الجيوسياسية في قلب الشرق الأوسط.