طلب أحد الزبائن من متجر بقالة شهير في حي مدينة نصر شرق القاهرة شراء عبوتَي أرز، فجاء رد عامل المتجر سريعاً: لا يجوز بيع أكثر من اثنتين لقلة المعروض.

حوار قصير يلخص أزمة نقص الأرز التي تعانيها مصر منذ عدة أشهر، إذ اختفى من المتاجر وتضاعف سعره، في وقت يغطي فيه إنتاج مصر استهلاكها ويفيض.

وعلى مدار أشهر اتخذت الحكومة المصرية عدة قرارات في محاولة لحل الأزمة وإتاحة الأرز بوفرة في الأسواق، لكن هذه القرارات لم تؤتِ ثمارها بعد.

وتظهر بيانات مركز المعلومات لمجلس الوزراء المصري أن سعر الأرز الأبيض ارتفع خلال عام بنسبة 157 في المئة، إذ كان يُتداول في أول مارس آذار الماضي بمتوسط سعر 9.27 جنيه للكيلو، في حين يبلغ المتوسط الآن 24.1 جنيه للكيلو.

وفي هذه الأثناء، توقفت بعض المحال التجارية عن بيع الأرز لارتفاع ثمنه وقلة المعروض، بينما وضعت أخرى حداً أقصى لشراء المستهلكين العبوات.

أسباب الأزمة

في بداية موسم حصاد الأرز، كانت أزمة ارتفاع أسعار أعلاف المواشي مشتعلة في مصر، فلجأت بعض المصانع إلى شراء الأرز لاستخدامه في تصنيع العلف، وفقاً لما قاله مصطفى النجاري، رئيس لجنة الأرز بالمجلس التصديري للحاصلات الزراعية لـ«CNN الاقتصادية».

وأضاف أنه «في هذا الوقت ألزمت الحكومة المزارعين بتوريد طن أرز شعير عن كل فدان بقيمة 6600 جنيه مصري، بينما كانت مصانع الأعلاف تشتري الطن بنحو 8500 جنيه، وهو ما دفع الفلاحين للامتناع عن البيع للحكومة وتخزين الأرز بدلاً من بيعه».

يبدأ عادة موسم حصاد الأرز في مصر خلال سبتمبر أيلول من كل عام، ويستمر حتى بعد أكتوبر تشرين الأول، وهو سلعة سهلة التخزين ولا تتعرض للتلف سريعاً.

وحصلت الحكومة على نحو 250 ألف طن أرز من الفلاحين خلال موسم الحصاد، بينما كانت تستهدف 1.5 مليون طن، بحسب النجاري.

أعقب ذلك اتخاذ الحكومة قراراً في سبتمبر أيلول الماضي بوضع سعر استرشادي لكيلو الأرز في الأسواق بألّا يزيد على 18 جنيهاً لمدة 3 أشهر، ثم مدت القرار مرة ثانية في ديسمبر كانون الأول الماضي قبل أن تقرر قبل أيام قليلة إيقاف العمل به.

يقول النجاري: «وضع سعر استرشادي للأرز كان خطأ، لذلك تحول الأرز لسلعة مهربة ولجأ التجار لتخزينه بدلاً من بيعه والاستفادة من الارتفاع المتتالي في سعره».

يلقي إبراهيم عشماوي، رئيس جهاز التجارة الداخلية بوزارة التموين المصرية، اللوم على التجار.

وقال لـ«CNN الاقتصادية» إنه «في وقت الأزمات يسعى التجار إلى تكوين أرباح عبر تخزين السلعة لأن مكسبها جيد، بجانب دخول فئة أخرى تُضارب على الأسعار لتحقيق مكاسب».

ويصف عشماوي قرارات الحكومة بشأن تداول الأرز بأنها «كانت إيجابية لضبط إيقاع السوق»، وينفي أنها أسهمت في ارتفاع الأسعار أكثر، والدليل أن «سعر كيلو الأرز وصل إلى 25 جنيهاً الآن بعد إيقاف العمل بالسعر الاسترشادي».

فائض في مواجهة الاستهلاك

يدلل عشماوي على أن أزمة نقص الأرز في مصر سببها التجار بأن إنتاج مصر يحقق فائضاً.

لكن النجاري يرى أن إنتاج مصر في الموسم المنتهي جاء بنحو 3.36 مليون طن من الأرز الأبيض، وهو ما يماثل حجم الاستهلاك المتوقع، قائلاً إنه «عندما يصبح المحصول مماثلاً للاستهلاك تحدث الأزمة، لأن الأرز سلعة يتمهل التجار في بيعها انتظاراً للسعر الأعلى».

ويبدو أن بيانات وزارة الزراعة الأميركية تنبأت بانخفاض إنتاج مصر من الأرز، إذ قدّر تقرير صادر في أكتوبر تشرين الأول الماضي أن ينخفض الإنتاج في موسم الحصاد المنتهي إلى نحو 3.19 مليون طن مقابل 4.4 مليون طن في الموسم الأسبق.

وأرجع تقرير سابق للوزارة هذا الانخفاض إلى تراجع المساحة المزروعة من الأرز بسبب الإجراءات التي اتخذتها مصر في مارس آذار 2021 للحد من زراعة الأرز لأنه ضمن المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه.

متى الحل؟

تخطط الحكومة المصرية حالياً لاستيراد أرز من الخارج لزيادة المعروض، وتعاقدت بالفعل على 50 ألف طن مستورد.

وبحسب عشماوي فإن «الاستيراد سيزيد حجم المعروض ومن ثم يبدأ التجار في إخراج البضاعة المخزنة، وخلال هذه الفترة سيستمر السعر في الصعود والهبوط حتى تستقر الأسعار في ما بعد».

ويدافع عشماوي عن استيراد سلعة لدى مصر فائض منها في وقت تعاني فيه من أزمة في الدولار بالإشارة إلى أن «الكميات المستوردة قليلة جداً وهي آلية لضبط السوق».

بينما يشير مصطفى النجاري إلى أن الكميات المتوقع استيرادها ستخفض أسعار الأرز في السوق المحلي ما بين 18 و20 جنيهاً، متوقعاً أن تنتهي الأزمة بنهاية الشهر المقبل مع توافر الأرز بكثرة.

وأضاف أنه «حتى لو كان الأرز المستورد غير محبب لدى المصريين، فالقاعدة التي تحكم السوق حالياً هي العرض والطلب والقدرة الشرائية».