عاد مشروعا مد خطي أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من نيجيريا باتجاه أوروبا عبر كلٍ من الجزائر والمغرب إلى الواجهة من جديد، وسط العقوبات الدولية على روسيا بعد دخول حربها على أوكرانيا عامها الثاني.

وسارعت الجارتان الواقعتان في شمال إفريقيا لإحياء مشروعي مد خط أنابيب لضخ الغاز النيجيري إلى الأسواق الأوروبية بعد توقف دام عقوداً، وهما مشروع أنابيب الغاز النيجيري-المغربي، وخط أنابيب الغاز العابر للصحراء بالجزائر.

وتصاعد التوتر من جديد بين الجزائر والمغرب على خلفية عدد من القضايا المشتركة وخصوصاً بعد انهيار اتفاقية وقف إطلاق النار المستمر منذ عقود في الصحراء الغربية.

في حين أدى استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية وعدم وجود حلول في الأفق إلى ارتفاع أسعار الغاز، كما دفعت الاضطرابات في سلاسل التوريد الدول الأوروبية إلى البحث عن مصادر أُخرى للطاقة لتجنب الأزمات في السنوات المقبلة.

وتمتلك نيجيريا أكبر احتياطي للغاز في إفريقيا والتاسع في العالم، أي ما يقارب 5.8 تريليون متر مكعب، لكنها ليست من ضمن أكبر عشرة منتجين للغاز، وفقاً لأحدث بيانات منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» وأحدث تقرير من «منتدى الدول المصدِّرة للغاز».

هذا بينما أظهرت بيانات المنتدى الدولي أن لدى نيجيريا ما يصل إلى 17 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي غير المكتشف بعد، إذ بدأت الشركات حديثاً باستكشاف حقول الغاز، بدلاً من العثور عليه أثناء حفر آبار النفط.

ويُقدّر الأثر الاقتصادي لاستغلال احتياطيات الغاز المحلي بنحو 18.3 مليار دولار؛ أي أكثر من 4 في المئة من إجمالي ناتجها المحلي، بحسب تقرير شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» للاستشارات الدولية.

خط أنابيب الغاز النيجيري- المغربي

يبلغ الطول الإجمالي للمشروع نحو 5600 كيلومتر، وسيعبر 13 دولة إفريقية، كما سيمكّن نيجيريا من إمداد دول غرب إفريقيا بالغاز، بما فيها المغرب، وموريتانيا، والسنغال، وغامبيا، وغينيا بيساو، وغينيا، وسيراليون، وليبيريا، وكوت ديفوار، وغانا، وتوغو، وبنين عبر المغرب.

وفق موقع «إس آند بي غلوبال» المتخصص في النفط والسلع العالمية:

  • سيفتح المشروع المجال لنيجيريا لتوريد الغاز لأوروبا عن طريق إسبانيا والبرتغال عبر أنبوب الغاز المغربي الأوروبي.
  • التكلفة المتوقعة للمشروع تصل إلى 25 مليار دولار.
  • سيستغرق بناؤه نحو 25 سنة على مراحل عدَّة.
  • تبلغ سعة خط الأنابيب 3 مليارات قدم مكعبة في اليوم.

انطلق المشروع الذي طال انتظاره في ديسمبر كانون الأول عام 2016، بعدما تم الاتفاق بين الملك المغربي محمد السادس والرئيس النيجيري السابق محمد بخاري.

وقال وزير النفط النيجيري تيميبر سيلفا لوكالة «فرانس برس» إن دراسة جدوى جارية وإن بعض الدول قد وقعت بالفعل على المشروع، ولكن لم يتم تحديد موعد للبدء بعد.

وفي سبتمبر أيلول الماضي، وقّعت شركة البترول الوطنية النيجيرية، والمكتب الوطني المغربي للهيدروكربونات والمناجم، والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على مذكرة تفاهم في الرباط، وفق ما أوردت وكالة «رويترز».

وقال الرئيس التنفيذي لشركة «البترول الوطنية النيجيرية» ميلي كياري، في بيان، إن البلدين -المغرب ونيجيريا- سيستفيدان من المشروع، مشيراً إلى أن «بعض الفوائد تشمل تكوين الثروة وتحسين مستوى المعيشة، وتكامل الاقتصادات داخل المنطقة، والتخفيف من حدة التصحر، والفوائد الأُخرى التي تتحقق نتيجة لخفض انبعاثات الكربون».

في حين لفت ملك المغرب محمد السادس في خطاب ألقاه في نوفمبر تشرين الثاني الماضي إلى أن «المشروع من أجل السلام والاندماج الإفريقي المشترك، وهو مشروع من أجل الحرية والأجيال القادمة، نريده مشروعاً استراتيجياً لفائدة منطقة غرب إفريقيا كلها التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 440 مليون نسمة».

خط الغاز العابر للصحراء

طُرحت فكرة نقل الغاز عبر الصحراء إلى أوروبا لأول مرة منذ أكثر من 40 عاماً، وفي عام 2009 وقعت الدول الثلاث الغنية بالغاز (نيجيريا، والنيجر، والجزائر) اتفاقية إطار بهذا الشأن، ولكن لم يبصر أيٌ من المشاريع النور.

ونذكر بعض الحقائق في النقاط اللاحقة نقلاً عن «فرانس برس»:

  • يبلغ الطول الإجمالي للمشروع نحو 4128 كيلومتراً، ويربط نيجيريا بالنيجر والجزائر.
  • يربط الخط نيجيريا بأوروبا عن طريق خط أنابيب البحر المتوسط العابر تحت البحر إلى إيطاليا عبر الأراضي التونسية، أو تحميله على ناقلات الغاز الطبيعي المسال للتصدير.
  • التكلفة المتوقعة للمشروع تصل إلى 19 مليار دولار.
  • سيستغرق بناؤه 10 سنوات على الأقل.
  • تبلغ سعة خط الأنابيب 30 مليار قدم مكعبة في السنة.

وقال البيان المشترك الصادر في يونيو حزيران عام 2022 عن وزارة البترول والطاقة والطاقات المتجددة في النيجر إن هذا المشروع «يسمح لأوروبا بتنويع مصادرها من إمدادات الغاز الطبيعي، ولكن أيضاً يسمح للعديد من الدول الإفريقية بالوصول إلى مصدر للطاقة عالي القيمة».

وفي يوليو تموز عام 2022، وقّعت الجزائر ونيجيريا والنيجر مذكرة تفاهم لبناء خط أنابيب الغاز عبر الصحراء، وبعد أربعة عقود من دراسة المشروع، وافقت تلك الدول على تشكيل فريق عمل للمشروع بهدف تحديث دراسة الجدوى.

وأعلنت الجزائر، بدورها، انتهاء تحديث دراسة الجدوى لخط أنابيب الغاز العابر للصحراء في سبتمبر أيلول الماضي.

وفي عام 2021، بلغ متوسط صادرات الغاز الجزائري عبر خط أنابيب ميدغاز -وهو الآن طريق خط الأنابيب الوحيد للغاز الجزائري الذي يصل إلى إسبانيا بعد أن أوقفت الجزائر أنبوب الغاز المغربي الأوروبي في أواخر عام 2020 بعد 25 سنةً من العمليات- نحو 22 مليون متر مكعب في اليوم، وفقاً لبيانات «S&P Global Commodity Insights».

وكان خط أنابيب الغاز المغربي- الأوروبي يضخ ما يقارب 21 مليون متر مكعب في اليوم قبل توقيفه بعدما تصاعدت التوترات بين المغرب والجزائر، بحسب «S&P Global Commodity Insights».

الاستثمار في الغاز الإفريقي

وشدّد المستشار القانوني لتمويل الطاقة والبنية التحتية في نيجيريا، جون تشيبوز، في حديث مع «CNN الاقتصادية»، على أهمية دعم قطاع الغاز في نيجيريا بعيداً عن الأحدث الجيوسياسية.

وقال إن «الحرب الروسية- الأوكرانية لن تستمر إلى الأبد، وكذلك الصراع بين المغرب والجزائر.. وبالتالي لا يمكن أن يكون ذلك الدافع الوحيد للاهتمام المفاجئ باحتياطيات الغاز النيجيري، ولذلك نحتاج الى دعم عالمي ثابت ومستمر لتحسين كفايتنا في إنتاج الغاز».

وتشهد العلاقات بين المغرب والجزائر توتراً بسبب النزاع حول الصحراء الغربية، وفي أغسطس آب عام 2021 قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب بشكل كامل بعد اتهام الرباط بارتكاب ما وصفته بأنه «عمل عدائي» ضدها، لكن المغرب نفت هذه الاتهامات ووصفها بـ«الزائفة».

وأضاف تشيبوز «لعقود، اعتمدت نيجيريا على النفط فقط ووجهت سياساتها وجهودها لتعزيز قطاع النفط، وأهدرت بقطاع الغاز رغم حجم احتياطياتها… لكن الأمور تتغير الآن بعد الطلب العالمي المتزايد على الغاز الطبيعي».

وفي عام 2021، استوردت أوروبا نحو 23 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من نيجيريا، وفقاً لرويترز، ما يعادل أكثر من 60 في المئة من صادرات الغاز النيجيري، بحسب بيانات «أوبك».

وأشار تشيبوز إلى أهمية التمويل الأجنبي للارتقاء بصناعة الغاز في نيجيريا، معبِّراً عن خشيته من أن الجزء الأكبر يتجه الى قطاع صادرات الغاز فقط.

وقال «نرى اهتماماً خارجياً أكبر في صادرات الغاز، سيكون من المفيد أن نرى أطرافاً جديدة تنشئ مشاريع غاز محلية في نيجيريا.. هناك الكثير من الاهتمام باستخدام الغاز محلياً في قطاع الطاقة ومواردها والنقل».