هل يمكن أن يتغير مستقبل الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؟ هذا ما سيتحدد مع اقتراب صدور أحكام في بعض القضايا المرفوعة ضد بعض عمالقة التكنولوجيا في المحكمة الأميركية العليا.

تستمع المحكمة العليا بالولايات المتحدة للعديد من المرافعات الشفوية خلال هذا الأسبوع، على خلفية قضيتين يمكن أن تعيدا تشكيل نمط الحوار المتداول عبر الإنترنت، وتعديل المحتوى الإلكتروني بوجه عام.

ويمكن أن تحدد نتيجة المرافعات الشفوية، المقرر عقدها يومي الثلاثاء والأربعاء، إمكانية مقاضاة منصات التكنولوجيا وشركات التواصل الاجتماعي، نتيجة لتوصية مستخدميها بقراءة محتوى معين أو لدعم أعمال الإرهاب الدولي من خلال استضافة محتوى مرتبط بصفحات جهات إرهابية، إذ تمثل تلك القضايا أول مراجعة من المحكمة لقانون فدرالي شديد الخطورة، يحمي إلى حد كبير مواقع الشبكة العنكبوتية من الدعاوى القضائية المتعلقة بالمحتوى الذي يُنشئه المستخدمون.

ويتابع العديد من الأشخاص حول العالم قضايا شهيرة عن كثب، والمعروفة إعلامياً باسم «جونزالس ضد غوغل» و«تويتر ضد طعامنه»، وهي قضايا متعلقة بالمحتوى الذي قد ينتج عن صفحات تحمل هوية إرهابية ومدى مسؤولية تلك المواقع المضيفة لهذا المحتوى، وذلك لما تحمله هذه القضايا من أهمية تجاه مصير الإنترنت بشكل عام.

قد يسهم التوسع في المخاطر القانونية للتطبيقات ومواقع الويب، فيما يتعلق باستضافة المحتوى أو الترويج له، في تغييرات كبيرة في المواقع، ويشمل ذلك «فيسبوك»، «ويكيبيديا»، و«يوتيوب»، على سبيل المثال وليس الحصر.

وأثارت القضايا المتداولة مؤخراً بعض التساؤلات والمخاوف لدى القطاع التكنولوجي حول وقع ذلك على مستقبل الإنترنت، كما شارك المشرعون الأميركيون ومنظمات المجتمع المدني في أكثر من 20 ولاية في التقدم بمطالبات في المحكمة.

مبنى المحكمة العليا في الولايات المتحدة، في العاصمة واشنطن، صورة من شاتر- ستوك

وتدور المعركة القانونية الحالية حول المادة رقم 230 لقانون آداب الاتصالات، وهو قانون فدرالي صادر منذ 30 عاماً، إذ تصفه المحاكم مراراً وتكراراً بأنه يوفر حماية واسعة لمنصات التكنولوجيا، ولكن حالياً يخضع هذا القانون للمراجعة والتدقيق، خاصةً وقد تزايدت الانتقادات لقرارات إدارة المحتوى لشركات التكنولوجيا العملاقة.

ويواجه هذا القانون المنتقدون من الجهتين، إذ يزعم العديد من المسؤولين الجمهوريين أن المادة 230 تمنح منصات التواصل الاجتماعي ترخيصاً بمراقبة وحجب وجهات النظر المحافظة. ويجادل الديمقراطيون من ناحية أخرى، بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن بأن المادة 230 تحمي عمالقة التكنولوجيا من المحاسبة جراء نشر معلومات مضللة وخطابات تحض على الكراهية.

في السنوات القليلة الأخيرة، حث البعض من أعضاء الكونغرس على إدخال عدة تغييرات على المادة 230، الأمر الذي قد يعرض منصات التكنولوجيا لمزيد من المسؤولية، إلى جانب وجود مقترحات لتعديل قواعد مكافحة الاحتكار الأميركية ومشروعات لقوانين أخرى تهدف إلى كبح جماح منصات التكنولوجيا المهيمنة.

من المتوقع أن تصدر الأحكام بشأن القضايا العالقة مع نهاية شهر يونيو حزيران المقبل.

قضية جونزالس- غوغل

القضية المتعلقة بـ«غوغل» تناقش إمكانية مقاضاتها بسبب الترويج الخوارزمي لشركة «يوتيوب» التابعة لها، لمقاطع فيديو ذات نزعة إرهابية على منصتها.

وفقاً للمدعين في القضية –عائلة نعومي جونزالس– التي قُتلت عام 2015 في هجوم لداعش في باريس، فقد انتهكت يوتيوب توصيات قانون مكافحة الإرهاب الأميركي، من خلال المساعدة في توجيه المشاهدين للتطرف، بالترويج لفكر منظمة داعش الإرهابي.

وقالت «غوغل» وشركات تقنية أخرى إن تفسير المادة 230 سيزيد من المخاطر القانونية المرتبطة بترتيب وتصنيف وتنظيم المحتوى عبر الإنترنت، وهي ميزة أساسية للإنترنت الحديث. وقالت «غوغل» إنه مع تطبيق هذا السيناريو، ستسعى مواقع الويب إلى اتباع مبدأ السلامة لتجنب المشكلات، وذلك إما عن طريق إزالة محتوى أكثر بكثير مما هو ضروري، أو بالتخلي عن الإشراف على المحتوى تماماً، ما قد يؤدي إلى وجود مواد أكثر ضرراً على منصاتها.

قضية تويتر- طعامنه

أما فيما يتعلق بالقضية الأخرى المعروفة بـ«تويتر ضد طعامنه»، سيقر الحكم إمكانية مقاضاة شركات وسائل التواصل الاجتماعي بسبب المساعدة والتحريض على عمل إرهابي دولي معين، عندما تستضيف المنصات محتوى مستخدماً يعبر عن الدعم للمجموعة التي تقف وراء العنف دون الإشارة إلى ذلك العمل الإرهابي المحدد.

وقال المدعون في القضية -عائلة نورس العساف الذي قُتل في هجوم لداعش في إسطنبول عام 2017- إن شركات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك «تويتر»، ساعدت داعش عن عمد في انتهاك قانون مكافحة الإرهاب الأميركي من خلال السماح ببعض محتويات الجماعة بالاستمرار في الوجود على منصاتهم الأساسية، وذلك على الرغم من وجود سياسات تهدف إلى تقييد هذا النوع من المحتوى.

ردت «تويتر»، بأن مجرد استخدام داعش منصة الشركة للترويج لنفسها لا يمثل دعماً أو «تواطؤاً» من «تويتر» للجماعة الإرهابية. وأنه في أي حال من الأحوال لا يمكن تحميل الشركة المسؤولية بموجب قانون مكافحة الإرهاب لأن المحتوى محل الخلاف في القضية لم يكن خاصاً بالهجوم الذي قتل العساف، ووافقت إدارة بايدن في مذكرتها على هذا الرأي.

وفي السنوات القليلة الأخيرة، أظهر العديد من القضاة بالمحكمة العليا اهتماماً واسعاً بالمادة 230، وبدا أنهم يستدعون الفرص للنظر في القضايا المتعلقة بالقانون، ففي العام الماضي كتب قضاة المحكمة العليا صمويل أليتو وكلارنس توماس ونيل جورسوش أن قوانين الولايات الجديدة، مثل قوانين تكساس التي من شأنها إجبار منصات التواصل الاجتماعي على استضافة المحتوى الذي يفضلون إزالته، تثير أسئلة ذات أهمية كبيرة حول «هيمنة شركات وسائل التواصل الاجتماعي وقوتها في تشكيل الرأي العام حول القضايا المهمة في وقتنا الحاضر».

(بريان فونج – CNN)