في خضم التوترات الجيوسياسية في المنطقة والعالم، لا سيما استمرار الحرب إسرائيل على غزة والحرب الروسية الأوكرانية، تتجه دول العالم نحو زيادة نفقاتها العسكرية واستيراد الأسلحة والمعدات العسكرية بوتيرة أكبر.
فنالت وزارة الدفاع الأميركية وحدها في الآونة الأخيرة الموافقة على ميزانية بقيمة 886 مليار دولار أميركي للعام المالي 2024، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 3% مقارنة بعام 2023، لكن ارتفاع الإنفاق العسكري يقابله من جهة أخرى اضطرابات في سلاسل الإمدادات تضع شركات الصناعات الدفاعية في مأزق في محاولاتها لتلبية الطلب المتزايد.
ويقول خبراء لـ«CNN الاقتصادية» إن عوامل عدة ضغطت على سلاسل التوريد في مجال الصناعات الدفاعية مثل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وتداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا ونقص اليد العاملة في قطاع صناعات الدفاع، إضافة إلى تركيز شركات الدفاع على الأنظمة الهجومية الدفاعية باهظة الثمن مثل الطائرات والسفن والصواريخ، وكذلك المركبات المدرعة والمدفعيات، والتي تستغرق وقتاً طويلاً في صنعها، وتتطلب كماً أكبر من المواد الخام.
وقالت شركة صناعة الطائرات البرازيلية إمبراير في مارس آذار إن تقديراتها لتسليم الطائرات في عام 2024 انخفضت نتيجة مشكلات في سلسلة الإمدادات.
وأحجمت شركات أخرى تواصلت معها «CNN الاقتصادية» كشركة «أر تي إكس» للطيران والدفاع، عن الحديث عن تقديراتها حول مدى تأثر الإنتاج بسبب مشكلات سلاسل التوريد، بينما اكتفت شركات أخرى، مثل بوينغ للدفاع ولوكهيد مارتن، بالحديث عن الجهود للتصدّي لاضطرابات سلاسل التوريد وتخفيف تأثيرها على الصناعات الدفاعية.
فمثلاً، قال المكتب الإعلامي لشركة بوينغ للدفاع إن الشركة تواصل العمل لمواجهة تحديات سلسلة التوريد على أساس كل حالة على حدة، مثل تعديل ممارسات إدارة المصادر والمخزون، والشراكة مع العديد من العملاء «لنكون استباقيين قدر الإمكان».
أما لوكهيد مارتن، فتحاول استخدام الذكاء الاصطناعي من أجل مواجهة المعرقلات وتلبية المطالب.
كما قال المكتب الإعلامي للوكهيد مارتن، «مبادرتنا للتحول الرقمي التي تدمج الحلول المتطورة، وتستفيد من عقود من البيانات التاريخية، والتحليلات، والذكاء الاصطناعي المتقدم لزيادة القوى العاملة لدينا، وزيادة مستويات الإنتاجية، أسهمت في دفع تقدمنا المتزايد».
وأضاف المكتب الإعلامي للشركة أن التحول الرقمي في عملياتها مكن لوكهيد مارتن من تلبية الطلب المتزايد، وتقديم حلول أمنية مبتكرة وبأسعار معقولة.
التأثير على الصناعات الدفاعية
وبحسب الخبير والباحث في القطاع اللوجيستي سرحان السبيعي، فإن التحديات في سلاسل التوريد التي تواجهها شركات الدفاع أمر لا يمكن التغاضي عنه، لا سيما مع الطلب المتزايد.
ويعتبر السبيعي أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، هي أكبر اضطراب للتجارة العالمية منذ جائحة كورونا؛ لأنها تسببت في إرباك الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وعطلت سلاسل التوريد بشكل أجبر شركات لوجستية على تحويل مساراتها إلى رأس الرجاء الصالح في إفريقيا.
سبب ذلك ارتفاعاً في التكاليف والمواد وكذلك المنتجات، وأدى لتأخر في تلبية الطلبات، خاصة للمصانع الدفاعية في أوروبا التي تستورد الكثير من المواد التصنيعية المستخدمة في المصانع الدفاعية من الصين والهند.
كما واجهت الشركات الأميركية صعوبة في تلبية الطلب نتيجة الدور الحيوي الذي تلعبه روسيا في مجال توريد المواد الخام المستخدمة في التسليح والإنتاج العسكري، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
ويؤكد هذا الأمر الخبير في مجال الدفاع رياض قهوجي، الذي قال إن «الشركات تضطر لزيادة أسعار الإنتاج وإذا كانت ملزمة بعقد؛ فهذا يكبدها خسائر، وفي 2024 قد تتأثر بعض الشركات خاصة التي تعتمد على سلاسل إمداد لها بين آسيا وأوروبا».
ارتفاع الطلب رغم الاضطرابات
يقول التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، الذي صدر في فبراير شباط الماضي، إن الإنفاق العسكري العالمي في 2023 سجل مستوى قياسياً وتاريخياً بعد تفاقم الأزمات حول العالم، سواء الحرب في غزة أو أوكرانيا والتوترات في تايوان والقطب الشمالي وكوريا الشمالية، إضافة إلى الانقلابات بمنطقة الساحل الإفريقي، ما تسبب في انعدام الأمن حول العالم، وسط توقعات بزيادة أكبر بالميزانيات العسكرية للدول خلال عام 2024.
وبحسب قهوجي، تكمن المشكلة الأساسية في إمكانية شركات الصناعات الدفاعية لضخ الإنتاج بشكل يوفر احتياجات السوق، وتحديداً الطلب من القوات الأميركية ودول حلف شمال الأطلسي، في ظل اضطراب سلاسل الإمداد.
لكنه أقرَّ بأن التأثير على الأداء المالي لشركات عملاقة مثل لوكهيد وبوينغ للدفاع سيكون محدوداً على الأرجح؛ لأن تلك الشركات تملك صناعات في مجالات أخرى.
على الناحية الأخرى، ستكون الدول المستوردة أكبر المتأثرين إذا تأخرت الطلبيات، بحسب قهوجي، إذ يعني التأخير وجود فجوات في القدرات الدفاعية تجعل الدول أكثر عرضة للتهديدات.
هل التوطين حل؟
تعمل العديد من دول العالم اليوم مع قطاعها الخاص للبحث عن آليات تضمن وجود عدد كافٍ من الشركات والمصانع داخل الدولة لتأمين احتياجاتها الدفاعية، وتحديداً من الذخائر والصواريخ.
ويعطي ذلك زخماً لفكرة توطين الصناعات الدفاعية، والذي يعطي الدول القدرة على أن يكون لديها نوع من الاكتفاء الذاتي في إنتاج المعدات المتوسطة مثل الذخائر.
ويضرب قهوجي المثال بتركيا، فبسبب تردي العلاقات السياسية مع أميركا، خسرت أنقرة عقد إف-35 وتأخر عقد تسلمها لطائرات إف-16، ما أدى إلى تراجع مستوى قواتها الجوية.
هذا الأمر جعل تركيا تنفق أكثر على تطوير صناعاتها المحلية، بما في ذلك توطين صناعات مجال الطيران، إذ تعمل تركيا على تجارب طائرة حربية من الجيل الخامس كما تطور صناعات طائراتها المسيرة.
لكن إلى أن يصبح توطين صناعات الدفاع قادراً على تلبية احتياجات الدول من العتاد المتقدم، ستبقى شركات الصناعات الدفاعية العالمية تحت أسر ضغوط الطلب المتزايد وسلاسل التوريد المضطربة.