«اشترِ الآن بدون مقدم وادفع على 60 شهراً».. شعارٌ يعني أن ديونك لدى الشركات ستُورَق، أي ستُباع إلى المستثمرين في صورة مستندات توريق.
والتوريق هو إصدارُ شركةٍ ما سنداتٍ تُحولُ من خلالها ديونَ عملائها إلى أوراق مالية تقوم ببيعها إلى آخرين بأجل محدد مقابل عائد مجزٍ.
وتخضع ديون كل شركة لعملية تقييم تتكفل بها وكالة تقييم ائتماني محلية، ويحدد التصنيف الذي تحصل عليه الشركة نسبة خدمة الدين أو الفائدة التي يحصل عليها حملة السندات.
تلجأ شركات التمويل الاستهلاكي لهذا الإجراء لأن البنوك لا تستطيع إقراض الشركات بما يتجاوز مستوى معيناً على أساس أصولها، وبالتالي تتيح سندات التوريق لها بيع مديونات عملائها للحصول على السيولة التي لا تستطيع دونها تنمية أعمالها.
وأعلنت شركة «كونتكت» للتمويل الاستهلاكي في بيان «غلق إصدارها الأربعين لسندات التوريق في الأسبوع الأول من أبريل (نيسان) بقيمة 1.893 مليار جنيه».
تتوقع «كونتكت» أن تصل إصدارتها من سندات التوريق إلى خمسة مليارات جنيه بنهاية عام 2023 مقابل 1.076 مليار جنيه العام الماضي.
«كونتكت» ليست شركة التمويل الاستهلاكي الوحيدة التي تتبنى التوريق كأداة لنمو أعمالها، فقد قامت شركة «فاليو» بإصدار سندات توريق منتصف مارس آذار بقيمة 856.6 مليون جنيه، كما نفذت شركة «بريميوم»، أقدم شركات التمويل الاستهلاكي في مصر، عدة إصدارات.
بول أنطاكي، الرئيس التنفيذي لشركة «بريميوم»، شرح في لقاء مع «CNN الاقتصادية» ما تحققه سندات التوريق لأعماله ولا توفره البنوك، قائلاً «عندما نقترض من بنك بضمان ديون عملائنا، يسدد البنك للموردين الذين قدموا الخدمة للعملاء، ولكن في حالة التوريق نحصل على المبلغ دفعة واحدة، وبالتالي نحصل على السيولة اللازمة لاستكمال نمو أعمالنا».
حصلت «بريميوم» على أول تمويل لها عن طريق التوريق في عام 2019 بقيمة ملياري جنيه.
وكانت آخر عمليات الشركة في فبراير شباط الماضي بقيمة 200 مليون جنيه، ومن المتوقع أن تكون عملية التوريق القادمة في مايو أيار المقبل، بنفس المبلغ ضمن برنامج إصدار جديد بملياري جنيه إضافيين.
يضيف أنطاكي «بيع الدين يشكل مخاطرة على من يبيعه ومن يشتريه بسبب تغير سعر الصرف وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة، فأنا أبحث عن إتمام بيع الدين بشكل سريع كي أتجنب الخسارة حال تغيير سعر الصرف أو سعر الفائدة، والبنوك التي تشتري الدين تعمل أحياناً على إبطاء قبول الشراء انتظاراً لرفع أسعار الفائدة».
البنوك المصرية، البريد المصري والتضخم.. أبرز داعمي سندات التوريق
تعتبر البنوك وهيئة البريد المصرية أكبر زبائن سندات التوريق في مصر وتصل آجال برامج التوريق إلى 60 شهراً، ويضم البرنامج مجموعة من الإصدارات.
محمد مصطفى، العضو المنتدب لشركة العربي الأفريقي لإدارة الاستثمارات، هو أحد عملاء سندات التوريق، أكد في لقاء مع «CNN الاقتصادية» أنه يستثمر جزءاً من أموال الشركة في التوريق لأن «العائد أعلى من أدوات الدين الحكومية ولأن سندات التوريق لها آجال متنوعة تلائم كل احتياجات المستمرين، بالإضافة إلى أن آلية سداد الفوائد وأصل المبلغ أكثر مرونة، فتمكِّن المستثمرين من استعادة المبلغ والأرباح وإعادة استثماره بشكل سريع».
أما محمد بدرة، المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة والرئيس التنفيذي سابقاً لأحد البنوك في سلطنة عُمان، فقال في اتصال هاتفي «هناك طلب قوي على كل السلع بسبب التضخم الشديد، الأمر الذي سبب موجة من الهلع عند المستهلكين، أصبح الكثير من الناس يلجؤون إلى شراء احتياجاتهم عن طريق التمويل الاستهلاكي ولولا وجود التوريق لما استطاعت هذه الشركات وشركات العقارات الاستمرار في تقديم خدماتها وسط هذا الإقبال الكبير على الشراء بالتقسيط».
أيمن الصاوي، رئيس القطاع المالي بشركة «كونتكت» التي تعمل أساساً في بيع السيارات عن طريق التمويل الاستهلاكي، يخالف بدرة الرأي بشكل جزئي فهو يعتقد أن «الطلب انخفض، ولكن أسعار السلع تضاعفت أكثر من مرة، ما أدى إلى ارتفاع المبالغ بشكل كبير على الرغم من انخفاض الطلب، فما كانت قيمته 600 مليون جنيه قبل بضعة أشهر أصبحت قيمته اليوم ملياري جنيه».
ويرى الصاوي أن التوريق لا يزال في بداياته في مصر وأن السوق تستطيع استيعاب أضعاف المزيد من سندات التوريق بفضل جاذبيتها كمنتج مالي.
بلغ حجم سندات التوريق في مصر نحو 40 مليار جنيه في عام 2022 واستحوذت شركات التمويل الاستهلاكي والتمويل العقاري على نحو 70 في المئة من قيمة إصدارات التوريق، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 50 مليار جنيه بنهاية العام الحالي.