تأسست مجموعة «فاغنر» كشركة عسكرية خاصة، وكانت أولى مهماتها عام 2014 عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم من أوكرانيا، ثم توسعت ليصبح لها وجود في أوروبا وإفريقيا وآسيا.

مارست «فاغنر»، الخاضعة لعقوبات غربية، نفوذاً في سوريا وليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وموزمبيق، وفقاً لتقارير غربية، حيث صارت ذراعاً مهمة للمصالح الروسية.

لعبت المجموعة بعد ذلك دوراً في الحرب الروسية الأوكرانية لصالح القوات الروسية، وبحسب تقديرات الاستخبارات البريطانية هناك 50 ألف عنصر من المجموعة في أوكرانيا.

لكن كيف استطاعت «فاجنر» التحول من مجرد مجموعة تضم مرتزقة يشاركون في صراعات عسكرية إلى جناح عسكري له نفوذ اقتصادي حول العالم؟

لقائد المجموعة، يفغيني بريغوجين، أعمال كبيرة في قطاع تقديم وجبات الغداء، وفي موسكو وحدها فازت شركته «كونكورد» بعقود بملايين الدولارات لتقديم وجبات الطعام في المدارس العامة، كما قام بريغوجين بتنظيم تقديم الطعام لأحداث الكرملين لعدة سنوات، ما أكسبه لقب «طباخ بوتين»، إلى جانب تقديم خدمات التموين والمرافق للجيش الروسي.

وبحسب هيئة الإذاعة البريطانية، فاز بريغوجين بعقد قيمته مليار دولار لتوفير الطعام للدولة الروسية، وهو ما يسهم بتمويل جزء من طموحات مجموعته.

ولم يقتصر الأمر فقط على الطعام، فبحسب تقارير غربية، طورت المجموعة نفسها لتصبح لها شركات تابعة وعلاقات تجارية، ففي عام 2017 اتهم المعارض الروسي أليكسي نافالني شركات بريغوجين بخرق قوانين مكافحة الاحتكار بتقديمها عروضاً بقيمة 387 مليون دولار لعقود في وزارة الدفاع الروسية.

كما أشار تقرير لفايننشال تايمز إلى أن المجموعة حققت إيرادات تزيد على ربع مليار دولار من إمبراطوريتها للموارد الطبيعية في إفريقيا وآسيا، من استخراج النفط والغاز والألماس والذهب، في السنوات الأربع التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية.

انتشار مجموعة فاغنر في أنحاء العالم

سوريا

في عام 2020، حققت شركة (Evro Polis) المختصة في قطاع الطاقة، والتي يسيطر عليها بريغوجين، بحسب الحكومة الأميركية والمفوضية الأوروبية، إيرادات بقيمة 134 مليون دولار، وأرباحاً بقيمة 90 مليون دولار بالرغم من أن الشركة فُرض عليها عقوبات من قبل واشنطن والاتحاد الأوروبي، وهذا وفقاً لتقرير فايننشال تايمز.

وفي ديسمبر كانون الأول 2021، أي قبل شهرين من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، عانت الشركة من تراجع في التعاقدات، ما أدى إلى انهيار الإيرادات بـ400 ألف دولار، ولكن على الرغم من ذلك، تمتعت الشركة بـ92 مليون دولار في ميزانيتها حسب التقرير نفسه لفايننشال تايمز

كما أظهر التقرير الاستقصائي للصحيفة أن بعض الشركات التي يسيطر عليها بريغوجين حولت عملياتها إلى كيانات أخرى قبل التحركات الغربية لإغلاقها أو فرض عقوبات عليها.

وعلى سبيل المثال، شركة «ميركوري» (Mercury LLC)، وهي شركة تعمل في قطاع النفط السوري، حققت إيرادات بقيمة 67 مليون دولار من 2017 إلى 2020، ولكن في عام 2021 عندما فرض الاتحاد الأوروبي العقوبات عليها بدأت الشركة تعلن عدم تحقيق أي إيرادات.

إفريقيا الوسطى

في يوليو تموز، دخلت منظمة (All Eyes on Wagner)، وهي مجموعة بحثية تحقق في أنشطة «فاغنر»، في شراكة مع 11 وسيلة إعلامية أوروبية للكشف عن آلية جني المجموعة لأرباح ضخمة باستخدام الأخشاب الاستوائية الثمينة من جمهورية إفريقيا الوسطى.

وفقاً للتقرير، منحت حكومة إفريقيا الوسطى شركة تابعة لـ«فاغنر» حقوق قطع الأشجار على مساحة 187 ألف هكتار.

يقول عمرو الديب، الأستاذ المساعد في معهد العلاقات الدولية والتاريخ العالمي في جامعة لوباتشيفسكي ومدير مركز خبراء رياليست، إن لشركة «فاغنر» العديد من مجالات الأعمال، ليس فقط في البلدان الإفريقية أو سوريا وليبيا، ولكن حتى داخل روسيا، مضيفاً أن شركات المجموعة تعمل في مجالات التعدين في إفريقيا وشركات الأغذية والإعلام في روسيا.

وقال «مجموعة فاغنر أيضا تحصل على الأموال من عقود الحراسة وتدريب القوات من حكومات ليبيا وإفريقيا الوسطى وغيرها.. فاغنر ليست شركة عسكرية فقط، ولكنها مجموعة متكاملة من الشركات ذات الأنشطة المختلفة التي تضخ الكثير من الأموال إلى المجموعة».

وبحسب (Global Initiative against Transnational Organized Crime)، سُحب امتياز التعدين لمنجم الذهب «نداسيما» في جمهورية إفريقيا الوسطى من شركة كندية وجرى تحويله إلى شركة في مدغشقر اتضح لاحقاً أنها تابعة لمجموعة «فاغنر» .

ووفقاً لـمسؤول غربي وبرقية أمريكية حصلت عليها بوليتيكو، يمكن للمجموعة أن تحقق من خلال قطاع التعدين في إفريقيا الوسطى نحو مليار دولار، أما (The Africa project) فيرى أن إيرادات منجم نداسيما وحدها يمكن أن تصل إلى 2.7 مليار دولار.

السودان

أدى اندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية في 2022 وموجة العقوبات التي أعقبتها إلى تسريع استغلال ثروة السودان الذهبية من قبل روسيا، ما أدى إلى زيادة نشاط «فاغنر» في البلاد بحسب CNN.

ووفقاً لشبكة التلفزيون العالمية، فُرضت عقوبات على مواطن روسي وفرع لمجموعة «فاغنر» الروسية في السودان باسم «مروي جولد» من قبل الاتحاد الأوروبي في 2023، كما فُرضت عقوبات على الشركة الأم لـ«مروي جولد» في عام 2020 وهي «إن انفست» التي تعمل في تعدين الذهب في السودان للأسباب ذاتها، وهي استغلال ثروة السودان من الذهب.

حققت تلك الشركة مبيعات بقيمة 2.6 مليون دولار في 2021 بالرغم من فرض الادارة الأميركية عقوبات عليها.

وقال ديفيد أوتو، مدير الدفاع بمركز جنيف لأمن إفريقيا والدراسات الاستراتيجية لـ«CNN الاقتصادية» إنه في إفريقيا، لا سيما في الدول التي تشهد تقلبات مثل مالي وإفريقيا الوسطى وليبيا وموزمبيق، نجحت «فاغنر» باستخدام نموذج أعمال تشغيلي سري للغاية، ما يترك مجالًا لهوامش ربحية مرتفعة للمجموعة ، لاسيما في منطقة غنية بالموارد المعدنية.

وتابع «من غير المرجح أن تؤثر الفوضى الأخيرة بشكل مباشر على الجبهات العملياتية لفاغنر في إفريقيا والشرق الأوسط ما لم يقرر القادة تحت هذه الخلايا اتباع بريغوزين إلى بيلاروسيا احتجاجاً – وهذا ليس مستحيلاً – إذا كان يستطيع ضمان رفاهيتهم».

وأضاف «كنت أراقب الأحداث في إفريقيا خلال الـ48 ساعة الماضية، لكنني لم أر حتى الآن أي علامات على حدوث تغييرات تشغيلية أو تكتيكية في المناطق والبلدان التي تعمل فيها فاغنر في إفريقيا، بمعنى أن المجموعة المدعومة من روسيا في إفريقيا ستستمر على الأرجح في العمل حتى عند انهيار أكبر خلية وتجربة تغيير قيادي وعملي في أوكرانيا».

ويرى أوتو أنه سيكون للشقاق بين «فاجنر» والقيادة العسكرية لوزارة الدفاع في موسكو تأثير على الهيكل التشغيلي والقيادي للشركة في الصراع في أوكرانيا، حيث يتم دمج المرتزقة ويتم تقديم قيادة جديدة لكن الهياكل التشغيلية الحالية لـ«فاغنر» في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل وإفريقيا الوسطى، من غير المرجح أن تتغير لأن كل واحدة تعمل تحت هيكل قيادة شبه مستقل

وقال «بالنسبة للجيش الروسي، فإن بريغوجين هو فاغنر ولكن فاغنر ليس بريغوجين، وهذا سيؤدي إلى تغيير قيادة فاغنر في الخطوط الأمامية في أوكرانيا».

كما يمكن كخيار بديل إبقاء بريغوزين في الخلفية بالكامل لإدارة الشؤون التشغيلية لـ«فاغنر» في إفريقيا والشرق الأوسط وتأمين الاتفاقيات العسكرية الأجنبية الروسية، وهذا سيضمن تحقيق أرباح ضخمة للمجموعة في مناطق عملياتها، مواصلة الاستفادة من جهود الحرب الروسية الأوكرانية.

وعلى الرغم من أن مصير المجموعة ما زال غامضاً وتفاوت إيراداتها ومصادر تمويلها، فإن الأمر المؤكد أن محاولة التمرد تلك قد تغير المعادلة بشكل كامل لمجموعة «فاغنر» وشركتها عبر العالم.

(شاركت في التغطية رنا طبارة)