600 نقطة أساس كانت تكفي البنك المركزي المصري لفرض تعويم آمن للجنيه، ولكن بحسب خبراء فإن رفع أسعار الفائدة ست نقاط مئوية سيتسبب في إرباك مشهد سوق العقارات الذي يعتبر أحد أهم ركائز الاقتصاد في مصر منذ عقود، والذي مكّن أكبر 20 مطوراً عقارياً من مضاعفة إيراداتهم عام 2023 لتصل إلى 700 مليار جنيه، بحسب دراسة أصدرتها شركة ذي بورد كونسالتينغ الشهر الماضي.
وعزا محمد بدرة المحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في القاهرة في لقاء مع «CNN الاقتصادية» ارتفاع إيرادات شركات العقارات و«مضاعفة مبيعاتها إلى رغبة المصريين الشديدة في التحوط بالعقارات لحماية مدخراتهم من التآكل» مضيفاً أن بيع العقارات بالتقسيط على فترات طويلة سهّل حصول الكثير من المصريين عليها.
ويؤكد بدرة أن الطريقة التي يموّل بها المطورون العقاريون مشروعاتهم في مصر تعتمد على «بيع الوحدات بالتقسيط على مدد طويلة تصل أحياناً إلى 15 عاماً، وذلك عبر توقيع المشترين شيكات تضمن مديونياتهم، ثم يقوم المطورون بتكوين محفظة دين بفضل شيكات المشترين ويصدرون سندات توريق وهي أداه تمكّنهم من الحصول على السيولة اللازمة لتمويل الإنشاءات، ثم يسددون لاحقاً بفضل دفع الأفراد للأقساط».
وبدأ إصدار سندات التوريق في مصر عام 2005 لتمويل عمليات شراء السيارات ودخل التمويل باستخدام أدوات الدين إلى قطاع العقارات بعد نحو 6 أشهر وأصبح الوسيلة الرئيسية التي تتبناها شركات التطوير العقاري لتمويل عملياتها منذ عام 2015، ولكن بالنظر إلى تطور أسعار الفائدة على مدار العامين الماضيين، سيتضح أن سعر الخصم قفز من 9.25 في المئة في الأول من يناير كانون الثاني 2022 إلى 28.25 في المئة صباح التعويم الأحدث للجنيه، وهو ما يعني «أن الحصول على المال أصبح أعلى تكلفة للمطورين العقاريين» بحسب محمد مصطفى، العضو المنتدب لشركة العربي الإفريقي لإدارة الاستثمارات وهي إحدى الشركات التي توجّه أموالها إلى سندات التوريق.
ويؤكد مصطفى أن «رفع سعر الفائدة 600 نقطة أساس قد يتسبب في تأخير تسليم العقارات الجديدة للمشترين لصعوبة الحصول على الأموال لتنفيذ الأعمال، ولكن آثاره ستمتد إلى تعثر ثم اختفاء الكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي بدأت تظهر في مصر مع إطلاق مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، إذ إن السوق شهدت ميلاد الكثير من شركات الأفراد، ومن الأرجح أن يستحوذ عليها كبار المطورين العقاريين».
لم يُخفِ محمد الشربيني الرئيس التنفيذي لاستثمارات الدخل الثابت في شركة إن آي كابيتال القابضة في اتصال مع «CNN الاقتصادية» توقعه «بانخفاض عمليات التوريق في قطاع العقارات لحين انخفاض سعر الفائدة، ولكنه يستثني من هذا الشركات الحكومية مثل هيئة المجتمعات العمرانية لأن التأثير على طروحاتها سيكون محدوداً».
وتعد هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة أحد أهم المستفيدين في مصر من أدوات الدين لتمويل مشروعاتها؛ فقد بلغ حجم عمليات التوريق الخاصة بها 70 مليار جنيه منذ عام 2019، فضلاً عن انتشار أنباء عن خطة الهيئة لإصدار صكوك بقيمة 260 مليار جنيه عام 2024 لتمويل مشروعاتها، والصكوك هي سندات إسلامية مبنية على مبدأ المتاجرة والمرابحة.
ويرى مصطفى أن أسعار العقارات لن تنخفض بعد التعويم مثلما انخفضت أسعار منتجات أخرى، ولكنها ستشهد صعوداً بسبب معدلات الفائدة، ويعتقد بدرة أن أسعار الفائدة قد تنخفض مع هبوط معدلات التضخم، ولكن في النهاية سيتمكن المطورون العقاريون من الحصول على الأموال اللازمة لتنفيذ الأعمال ولن يكون ارتفاع التكلفة عقبة أمامهم لأنهم سيمرون فارق سعر الفائدة إلى المشترين مع احتمالية زيادة مدة الأقساط وتقليل مساحات الوحدات، وأَضاف «ولكن الطلب لن يتأثر بسبب معدل النمو السكاني الذي يبلغ 2.5 في المئة، فكل عام يزيد عدد المصريين نحو مليونين ونصف المليون، ويحتاجون إلى أماكن للسكن».
وبحسب بيانات هيئة الرقابة المالية الصادرة يوم الخميس، وهي الجهة المختصة بتنظيم عمل العمليات المالية غير المصرفية، فقد بلغ حجم «إصدارات سندات التوريق وسندات الشركات في مصر في العام الماضي 38.6 مليار جنيه».
تشهد سوق العقارات المصرية حالة من صعوبة التسعير بسبب الضغوط الشديدة على الجنيه المصري ووجود أكثر من سعر صرف للدولار الأميركي قبل التعويم الأخير، ما تسبب في محاولات بعض المُلّاك والوسطاء العقاريين بيع الوحدات بالدولار أو بما يوازيه منذ نحو عامين.