3600 جنيه.. هو الفارق بين سعر غرام الذهب في مصر قبل عامين وسعره اليوم.
هاني، أحد بائعي المصوغات الذهبية في حي الدقي بالجيزة، يحاول استغلال هذا الرقم لإقناع أحد زبائنه بالإسراع بقرار الشراء لأن السعر قد يرتفع في المساء، بعد أن تخطى سعر الغرام العتبة الرمزية المتمثلة في 4000 قبل عدة أيام، وقد يكون في طريقه لتحطيم مستوى قياسي جديد قبل نهاية الشهر.
اليوم، يعرض هاني على زبائنه شراء المشغولات الذهبية فقط لأن بيع وشراء السبائك متوقف حالياً بعد اتخاذ الدولة إجراءات ضد كبار تجار الذهب في منطقة الصاغة بقلب القاهرة في محاولة للسيطرة على سعر المعدن الأصفر.
الذهب في مواجهة تقلبات الجنيه
بحسب تقرير مجلس الذهب العالمي، ارتفعت مبيعات السبائك والعملات الذهبية في مصر بنسبة 87 في المئة في الربع الثالث من عام 2023 مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق.
فعام 2022 يمثل عام الأزمة أو الأزمات التي دفعت المصريين للإقبال المحموم على شراء الذهب، إذ يمثل بداية ظهور سوق الصرف الموازية والصعود القوي لمعدلات التضخم، ما دفع فئات لم تكن تعتاد شراء الذهب من قبل إلى اكتنازه بغرض التحوط من تقلبات سعر الجنيه، وهو ما وصفه هاني ساخراً بقوله «الناس بقت تشتري الذهب كأنه خبز» في إشارة إلى الإقبال غير المسبوق على المعدن الأصفر في مصر مؤخراً.
شهادات البنوك.. لماذا لم تحد من الإقبال على الذهب؟
عزا مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث في شركة العربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، أحد أسباب صعود الذهب إلى توفر السيولة النقدية لدى المصريين وتراجع جاذبية الأوعية الادخارية التي تطرحها البنوك حالياً.
وفي لقاء مع « CNNالاقتصادية»، قال شفيع «الصعود الكبير لأسعار الذهب يعود بشكل رئيسي إلى زيادة الطلب وتوفر السيولة التي تمكن من شرائه، لأن بعض من كانوا يستثمرون أموالهم في شهادات البنوك لم يجددوا أوعيتهم الادخارية بسبب تدني معدل الفائدة الحقيقي».
وأوضح شفيع أن عائد الشهادات الذي تمنحه البنوك في مصر اليوم لا يتناسب مع معدلات التضخم في البلاد، وهو ما وصفه بـ(الفائدة السلبية) التي تؤدي لتآكل قيمة مدخرات المودعين مع الوقت.
وبلغ معدل التضخم الأساسي في مصر 34.2 في ديسمبر كانون الأول، بينما بلغ أعلى عائد لشهادات الادخار 25 في المئة، ما يعني أن الأموال فقدت 8.8 في المئة من قيمتها في ديسمبر منذ بداية طرح الشهادات، في الوقت نفسه، قفز سعر غرام الذهب من نحو 800 جنيه في فبراير شباط 2022 ليقترب من 4400 جنيه مؤخراً.
إنقاذ ما يمكن إنقاذه
أحمد، سائق سيارة أجرة في القاهرة وأحد المتضررين من الفائدة السلبية، يروى لـ« CNNالاقتصادية» تجربته قائلاً إنه حصل على إرث قدره 100 ألف جنيه قبل نحو عام. وقام بربطه في وعاء ادخاري بأحد بنوك الدولة لحمايته من التضخم، لكن ما حدث كان العكس، ويقول أحمد «أندم لأنني لم أشترِ ذهباً بهذا المبلغ من البداية لأنه تبخر»، وعند حلول أجل الشهادة، سارع أحمد بشراء بضعة غرامات من المعدن الأصفر «لإنقاذ ما يمكن إنقاذه» على حد وصفه، وهي المرة الأولي التي يقوم بها باللجوء إلى الذهب بهدف الحفاظ على قيمة أمواله.
وهو كالكثيرين الذين يشترون المال بالمال اليوم لحماية مدخراتهم من تقلبات الأسعار، وفي فورة الذهب الأخيرة، ربح أحمد نحو 30 في المئة، فسعر غرام الذهب عيار 21، وهو الأكثر مبيعاً في مصر، قد قفز بـ830 جنيهاً منذ وقت الشراء.
والشهادات في الأصل هي أوعية ادخارية ذات شعبية عالية تطلقها البنوك بالتنسيق مع المركزي المصري بغرض كبح السيولة وتعويض أصحاب الأموال عن التضخم، لكن الارتفاعات المتلاحقة في معدلات التضخم دفعت المصريين للبحث عن أوعية استثمارية أكثر أماناً لحماية مدخراتهم من التآكل.
وبحسب شفيع، فإن انقضاء أجل الشهادات ذات فائدة 25 في المئة و22.5 في المئة التي تم طرحها قبل عام وفّر سيولة قدرها 570 مليار جنيه في جيوب المصريين، ليقرر بعضهم استثمار جزء من مدخراتهم في الذهب.
ويرى أن الشهادات الادخارية فقدت جزءاً من بريقها ولكنها لم تفقده بالكامل، إذ قرر الكثير من المودعين إعادة ربط أموالهم بالأوعية الادخارية الجديدة ذات فائدة 27 في المئة التي طرحها البنك الأهلي وبنك مصر -أكبر بنكين مملوكيين للدولة- ليجمع البنكان نحو 471 مليار جنيه من مبيعات هذه الشهادات.
ويعني ذلك أن هناك 99 مليار جنيه متبقية من قيمة الشهادات القديمة لم يُعَد تجميدها لتصبح سيولة متوفرة في السوق، ويُرجح توجيه جزء منها إلى الذهب.
تباين تحركات الذهب محلياً وعالمياً
في السابق، كانت تحركات الذهب في مصر ترتبط بتحركاته في السوق العالمية، لكن ذلك لم يَعُد الوضع حالياً، ما يثير التساؤل حول العوامل التي تحرك أسعار المعدن الأصفر في السوق المصرية.
يرى الخبراء أن التباين بين تحركات الذهب محلياً وعالمياً يعود إلى التفاوت في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار بين السوقين الرسمية والموازية.
فغرام الذهب في مصر يتم تسعيره على أساس سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وهو عامل آخر وراء وصول الأسعار إلى هذه الأرقام القياسية، إذ قفز سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية إلى نحو 65 جنيهاً في تعاملات نهاية الأسبوع، بحسب أحد المتعاملين في السوق غير الرسمية.
ويرى شفيع أن أسعار المعدن الأصفر «لن تستقر إلا باختفاء السوق الموازية واختفاء مشكلة سعر الصرف» في مصر.
من جهتها، وصفت (شعبة الذهب والمجوهرات والمعادن الثمينة) في بيان لها الأسعار الحالية بـ«غير الحقيقية» وبأنها لا تعبر بأي شكل من الأشكال عن الأسعار التي يجب أن تكون عليها في الواقع، وعزت الشعبة الارتفاع الأخير في الأسعار إلى «تدافع المواطنين لشراء الذهب».
وحتى هذه اللحظة، يُعلق كبار تجار الذهب في مصر تحديثهم للأسعار، ما يزيد المشهد غموضاً، لكن هاني -في متجره الصغير في الجيزة- لا يزال مقتنعاً أن الإعلان القادم للأسعار سيشهد قفزة جديدة للمعدن الأصفر.
(شاركت في التغطية أميرة العربي)