يواجه السودان فصلاً كئيباً آخر في تاريخه المضطرب بعدما تسببت الحرب التي اندلعت بين الجيش القومي وقوات الدعم السريع منذ عام في أكبر أزمة نزوح في العالم، والتي شهدت تجاوز عدد النازحين داخل وخارج البلاد 8.5 مليون شخص، بحسب تصريحات منظمة الهجرة الدولية في مقابلة مع «CNN الاقتصادية».

ويقول عثمان البلبيسي، المدير الإقليمي للمنظمة، إن واحداً من كل 8 نازحين على مستوى العالم من السودان وإن أزمة السودان لا تحظى «بالاهتمام المناسب على مستوى الدعم اللوجيستي والاقتصادي».

وأضاف، «نتحدث الآن عن أزمة غذائية حقيقية، فما يزيد على 18 مليون سوداني يعانون سوء التغذية ومنهم 5 ملايين شخص على حافة المجاعة، ونسبة كبيرة من هذا العدد هم من النساء والأطفال».

ويواجه أكثر من ثلث السكان انعدام الأمن الغذائي، بحسب برنامج الأغذية العالمي، ما يجعله أحد أكثر مجالات الدعم إلحاحاً.

وفي 2022، قدّرت الأمم المتحدة احتياجات الأمن الغذائي في السودان بمبلغ 437.9 مليون دولار لعام 2023، وارتفع هذا الرقم إلى 581.2 مليون دولار لعام 2024 بسبب تداعيات الحرب.

ونتيجة للاشتباكات، أُغلقت العديد من محلات البقالة والمخابز والمطاحن، ما أدى إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في البلاد، كما نُهبت المساعدات الغذائية من مخازن المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية شؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي وغيرها من المنظمات الدولية غير الهادفة للربح.

وما زاد الطين بلّة أن الأزمة الاقتصادية التي كان يمر بها السودان قبل الصراع الأخير حَدّت من القدرة الاقتصادية للأفراد، وتسبّبت في تفاقم حاد في أسعار معظم السلع الأساسية مثل الوقود والسلع المنزلية والغذاء، في حين ارتفعت الأسعار بنسبة 33 في المئة منذ بداية الحرب عام 2023.

وفي ظل الظروف الراهنة، يواجه السودان تحديات جسيمة وسط أزمة إنسانية متفاقمة لا تجد الاهتمام الكافي على الصعيد الدولي، ما يعيق جهود توفير الدعم اللوجيستي والاقتصادي الضروري لمواجهتها، ومع حاجة السودان الماسّة إلى المساعدات لتلبية احتياجات الملايين يبرز التحدي الأكبر المتمثل في تأمين التمويل اللازم والضغوط الاقتصادية المتزايدة، والذي يؤدي لتفاقم معاناة الشعب السوداني.

تداعيات الحرب على استراتيجية التمويل

أعلنت الأمم المتحدة أن السودان يحتاج إلى مساعدات بقيمة 2.7 مليار دولار للوصول إلى 14.7 مليون شخص من أصل 24.8 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدات.

وأوضح البلبيسي أن ما وصل حتى الآن يمثل 5 في المئة فقط مما طلبته منظمات الأمم المتحدة وذلك بسبب «الخطط المالية لكثير من الدول، واختلاف الأولويات، وزيادة عدد الأزمات في العالم، لهذا نتمنى أن يكون مؤتمر باريس القادم فرصة مناسبة لجميع الدول للقيام بواجبها نحو السودان وإعطاء الأزمة السودانية ما تستحقه من اهتمام، وينعكس هذا في حجم التمويل المتناسب مع الاحتياجات»، على حد قوله.

ويعتبر قطاع الاستجابة للاجئين أهم قطاع يحتاج للمساعدات، ويصل حجم المساعدات المطلوبة للقطاع إلى 631.2 مليون دولار، بحسب تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وعلى الرغم من الاحتياجات الإنسانية الهائلة في جميع أنحاء السودان، فقد تم تخفيف المتطلبات المالية لتلبية تلك الاحتياجات بسبب بيئة العمل المقيدة وعدم وجود ممرات آمنة.

وحذّر البلبيسي قائلاً، «نحن كمنظمة دولية للهجرة إذا لم نحصل على التمويل المناسب للقيام بأنشطتنا، فسنضطر إلى التقليل بشكل كبير من أنشطة المنظمة داخل السودان قبل نهاية شهر أبريل، وأتكلم هنا عن مصفوفة تتبع النزوح التي تتعقب أعداد النازحين بشكل دقيق داخل السودان، إلى جانب الرعاية الصحية والدعم النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى المساعدات غير الغذائية والمساعدات العينية، فهذه الأنشطة ستتأثر بشكل كبير».

كيف يستجيب العالم لتمويل المساعدات؟

بلغ حجم التمويل الإنساني للسودان اعتباراً من 8 أبريل نيسان 2024 إلى حوالي 169.5 مليون دولار، ما يمثل حوالي ستة في المئة من إجمالي التمويل الذي يحتاجه القطاع، بحسب خدمة التتبع المالي التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وتقود إدارة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية التابعة للمفوضية الأوروبية التمويل الموجه لدعم السودان، إذ استحوذت وحدها على نحو 20 في المئة من إجمالي التمويل حتى الثامن من أبريل، أو ما يعادل حوالي 33.5 مليون دولار.

على جانب آخر، قدمت حكومات دول العالم مجتمعة نحو 88.64 مليون دولار إلى السودان بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أي ما يمثل نحو 57.2 في المئة من إجمالي التمويل.

وجاءت الولايات المتحدة على رأس قائمة الدول المشاركة في تمويل المساعدات بقيمة 16.4 مليون دولار، يليها ألمانيا التي قدمت 13.2 مليون دولار، ثم المملكة المتحدة مع تمويل قدره 12.9 مليون دولار.

الاقتصاد السوداني

لم يتعافَ الاقتصاد السوداني من الأزمات المتلاحقة التي ألمّت بالبلاد خلال السنوات الماضية، وخصوصاً بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير وما تلا ذلك من جائحة كورونا وتأثيرها على الاقتصاد المحلي والعالمي، ثم أحداث أكتوبر تشرين الأول 2019 وتولي رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان الحكم، وأخيراً الآثار الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية.

وأدى تراكم هذه العوامل إلى ارتفاع معدل التضخم إلى أعلى مستوياته على الإطلاق ليصل إلى 359.1 في المئة في عام 2022.

ويقع السودان في المرتبة الخامسة ضمن أقل دول العالم من حيث متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، والذي بلغ 533.84 دولار في عام 2023، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي.

كما يواجه السودان مخاطر من تفاقم الديون خاصة في ظل الحرب الحالية، إذ مثلت ديون الحكومة المركزية في السودان نحو 127.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في عام 2022، بحسب صندوق النقد، وهي في المرتبة التاسعة عشر عالمياً ضمن أعلى دول العالم من حيث ديون الحكومة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.

توقعات حذرة

رغم ما يعانيه الاقتصاد السوداني، توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد السودان نمواً بنسبة 1.2 في عام 2023 بعد انكماش اقتصادي امتد لسنوات.

لكن أحدث إحصائيات البنك الدولي تشير إلى انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 12 في المئة، كما يتوقع صندوق النقد انخفاض الناتج المحلي بنسبة تقارب 18 في المئة.

ويحذّر البلبيسي من أن هذه المعدلات «مرتفعة للغاية» و«تعكس حجم الأزمة الحالية في السودان».

وقال البلبيسي «هذه الزيادات لم يواكبها أي زيادة في دخل المواطنين، بل خسر الكثير منهم موارد رزقهم، وهم الآن يضطرون للتعامل مع هذه الأزمة الاقتصادية، ومن انعكاسات هذه الأزمة أن ما يقرب من 18 مليون شخص يعانون سوء التغذية حتى الآن، منهم 5 ملايين على حافة المجاعة».

(ساعد في التحرير: أميرة العربي)