يبدو أن الجميع يستثمر في الذهب هذه الأيام، بداية من الأفراد العاديين حتى البنوك المركزية وكبار المستثمرين.
ارتفعت أسعار الذهب اليوم الخميس وعوضت خسائرها من الجلسة السابقة بدفعة من التوتر الجيوسياسي الذي عزز الطلب على المعدن الأصفر باعتباره ملاذا آمنا.
وصعد الذهب في المعاملات الفورية 0.1 بالمئة مسجلا 2334.64 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 0809 بتوقيت غرينتش. وسجل الذهب ارتفاعات قياسية لثماني جلسات تداول على التوالي حتى الثلاثاء.
وارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب 0.2 بالمئة إلى 2352.40 دولار.
وارتفعت أسعار الذهب 14 بالمئة حتى الآن هذا العام بدفعة من عمليات شراء قوية من بنوك مركزية والإقبال على الملاذ الآمن مع استمرار المخاطر الجيوسياسية والطلب المرتفع من الصناديق التي تواكب اتجاهات السوق.
وتسببت بيانات تضخم أعلى من المتوقع وتقرير وظائف يظهر قوة سوق العمل الأسبوع الماضي بشكل يفوق التوقعات أيضا في إثارة المزيد من التساؤلات حول توقيت وحجم خفض أسعار الفائدة هذا العام.
وقال يب جون رونغ، استراتيجي السوق لدى «آي جي»، إن الأسواق تتكيف حالياً مع سيناريو سعر الفائدة المرتفع على المدى الطويل، مشيراً إلى أن المستثمرين ينظرون إلى الذهب كتحوط جيد ضد التوترات الجيوسياسية.
وبلغ مؤشر أسعار المستهلكين السنوي 3.5 في المئة في مارس آذار، بزيادة 0.3 نقطة مئوية على فبراير شباط، كما ارتفع مقياس التضخم الذي يحظى بمتابعة واسعة النطاق، باستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، بمعدل سنوي قدره 3.8 في المئة.
وقد عززت عمليات الشراء القوية للبنوك المركزية، وتدفقات شراء المعدن الأصفر وسط استمرار المخاطر الجيوسياسية وأيضاً الطلب من الصناديق، من مكاسب السبائك بنسبة 14 في المئة منذ بداية العام الجاري.
ويؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تقليل جاذبية الاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر عائداً.
فما سر هذا الإقبال المحموم على المعدن الأصفر؟
البنوك المركزية لاعب أساسي
هناك العديد من العوامل التي تؤثر بشكل مباشر على تحركات الذهب مثل الضغوط التضخمية والتقلبات الاقتصادية والجيوسياسية التي تعزز دور المعدن الثمين كملاذ آمن لحفظ قيمة الأموال.
فعند انخفاض أسعار الفائدة، يصبح الذهب استثماراً أكثر جاذبية مقارنة بالأدوات الاستثمارية ذات العائد الثابت مثل السندات والأوعية الادخارية، كما يُعد مخزناً لحفظ قيمة الأموال في مواجهة التضخم وتراجع العملات المحلية.
لكن الخبراء أشاروا إلى عامل آخر أضاف الكثير من الزخم إلى سوق الذهب خلال السنوات الأخيرة وهو إقبال البنوك المركزية حول العالم -خاصة المركزي الصيني– على زيادة حوزتها من المعدن الأصفر بهدف تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي.
وواصل البنك المركزي الصيني زيادة حوزته من الذهب للشهر الـ17 على التوالي في مارس آذار الماضي، مضيفاً 160 ألف أوقية جديدة ليصل احتياطي الذهب لدى البنك إلى 72.74 مليون أوقية، بحسب بيانات رويترز.
وفي هذا الصدد، أوضح محللو بنك يو بي إس أن البنوك المركزية تسعى لتنويع احتياطاتها النقدية بعيداً عن الدولار لتقليل اعتمادها الاقتصادي على الولايات المتحدة.
وينطبق ذلك بشكل خاص على الصين التي تعاني من أزمة حادة في القطاع العقاري، وأصبح المستثمرون الصينيون يلجؤون إلى الذهب بشكل متزايد باعتباره استثماراً أكثر استقراراً في ظل التراجع الكبير الذي شهدته قيمة العقارات خلال الأعوام الأخيرة.
وتحذو الدول الأخرى حذو الصين في زيادة احتياطي الذهب لديها، لا سيما الهند التي تشهد نمواً اقتصادياً متسارعاً يشجعها على الاستثمار بكثافة في المعدن الأصفر.
تقليل الاعتماد على الدولار
أشار بنك جيه بي مورغان إلى أن الدول -خاصة غير الحلفاء لواشنطن- تحاول تنويع احتياطاتها بعيداً عن العملة الأميركية لتخيف آثار أي عقوبات محتملة قد تُفرض عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها.
وأضاف أن مشتريات البنوك المركزية من الذهب كانت أحد المحركات الرئيسية لصعود المعدن الأصفر خلال العامين الماضيين.
وفي عام 2022، قفزت تلك المشتريات بأكثر من ضعف المتوسط السنوي الذي سجلته على مدار العقد الماضي، ما يرشح الذهب للمزيد من الصعود في الفترة المقبلة، بحسب البنك الاستثماري.
ويأتي الإقبال الحالي على الذهب في وقت يشهد فيه النفط اتجاهاً صعودياً أيضاً متأثراً بمخاوف الإمدادات وتنامي التوترات الجيوسياسية.
وتمثل زيادة أسعار النفط كابوساً للولايات المتحدة لأنها تعوق جهودها للسيطرة على التضخم وتزيد الإقبال على الذهب ملاذاً آمناً ضد الضغوط التضخمية.
مخزن تاريخي للقيمة
ما زال الذهب يحتفظ بمكانته مخزناً تاريخياً لقيمة الأموال، وهذا الأمر لا يقتصر على البنوك المركزية وكبار المستثمرين فحسب بل وعلى مستوى الأفراد أيضاً.
على سبيل المثال، بدأت سلسلة متاجر كوسكو الأميركية في بيع السبائك الذهبية والعملات الفضية عبر الإنترنت في يناير كانون الثاني الماضي بعد أن لاحظت الإقبال الكبير على المعادن النفيسة كملاذات آمنة في مواجهة التضخم والاضطرابات الاقتصادية.
ووفقاً لتقديرات ويلز فارجو، تبيع الشركة حالياً ما يقدر بـ200 مليون دولار من هذه المنتجات شهرياً، ويتوقع المحللون أن تكون الشركة قد باعت سبائك ذهبية بـ100 مليون دولار خلال الربع الأخير من 2023، بحسب ما أوردته شبكة CNN.
فالذهب يُعد خياراً استثمارياً تقليدياً لمواجهة الضبابية في المشهد السياسي، ومع استعداد الناخبين في 60 دولة للذهاب لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم هذا العام، فمن المتوقع أن يزداد الإقبال على المعدن الأصفر كوعاء استثماري أكثر أماناً واستقراراً.