تخطط عدة شركات تمويل جماعي عاملة في الإمارات للتوسع في المنطقة وتنويع حزمة الخدمات التي توفرها، وذلك نتيجة لتنامي الإقبال من قِبل الأفراد والشركات على هذا النوع من التمويل في ظل شح السيولة وارتفاع أسعار الفائدة.
الإمارات من الدول الأكثر نشاطاً في سَن التشريعات اللازمة لنشاط التمويل الجماعي وحماية جميع الأطراف المشاركة فيه، حيث بلغ حجم هذا النشاط عام 2021 ما قيمته 200 مليون دولار، بحسب ما أعلنه لـ«CNN الاقتصادية» محمد البلوشي، رئيس مركز «هايف للتكنولوجيا المالية» في مركز دبي المالي العالمي.
وأحصى صندوق النقد العربي عدد المنصات العاملة في هذا المجال بنحو 32 منصة منتشرة في مختلف الدول العربية.
وشقّ التمويل الجماعي طريقه عبر توفير التبرعات من حشد واسع من الجمهور لتمويل مبادرات إنسانية وخيرية أو مبادرات فنية وثقافية عبر منصات رقمية مرخصة.
لكن مع التطور السريع للتكنولوجيا وانتشار تقنيات بوابات الدفع، تغير منظور التمويل الجماعي الذي أصبح يلبي حاجات السيولة المتزايدة، خاصة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويتنوع نشاط هذه المنصات بين التمويل الجماعي القائم على جمع التبرعات أو الحصول على المكافآت، أو تمويل النظراء أو المشاركة في الملكية، كما تتماشى برامج بعض من هذه المنصات مع الشريعة الإسلامية.
فما أسباب تنامي الاهتمام بهذا النوع من التمويل؟
تشير تقديرات صندوق النقد العربي إلى أن ما بين 50 و70 في المئة من طلبات التمويل التي تقدمها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمصارف يتم رفضها.
ويبرر العاملون في القطاع صعوبات الوصول إلى التمويل المطلوب للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بارتفاع المخاطر، كون هذا النوع من الشركات يفتقر إلى الضمانات المطلوبة من حيث الموجودات أو السيولة، بل وأحياناً تنعدم لديها السجلات الائتمانية.
ولا تستحوذ هذه المؤسسات إلا على ما نسبته ثمانية في المئة من إجمالي الائتمان المصرفي في الدول العربية، بحسب البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية لعام 2019، أحدث عام تتوافر له هذه البيانات.
وقال مارك غريفيث، مدير الاستثمار في منصة «بيهايف» للتمويل الجماعي، في تصريح لـ«CNN الاقتصادية»، إن «البنوك تدعم 35 في المئة فقط من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فيما تخدم المنصة 83 في المئة من هذه الشركات، ولا تتعدى نسبة رفض الطلبات لدينا الـ17 في المئة، بينما تصل هذه النسبة إلى 65 في المئة لدى وسائل التمويل التقليدية».
وما تقوم به المنصة -كما صرّح غريفيث- هو خلق برنامج تقييم خاص لطالبي التمويل يقوم على عدة معايير في تصنيف مخاطر العملاء، وفق حزمة معايير دقيقة وشاملة.
المهم إذن الحصول على التمويل «حتى لو كان أكثر تكلفة»، كما قال دانيال زويتس مؤسس «إينيروير»، وهي إحدى الشركات المستفيدة من تمويل جماعي من منصة «بيهايف».
وقال لـ«CNN الاقتصادية» إن «المهم هو الحصول على التمويل، ولو أن تكلفة الاقتراض عبر منصات التمويل الجماعي أكبر من تلك التي تمنحها المصارف، وبالنسبة لرجال الأعمال المهم هو الحصول على التمويل اللازم لازدهار أعمالنا».
مداخيل إضافية
يوفر التمويل الجماعي كذلك مصدراً أساسياً لتنويع المداخيل لدى الأفراد.
ويقول عمار مالهي، المدير العام لمنصة «سمارت كراود» للتمويل الجماعي والتي تدير أصولاً بقيمة 90 مليون درهم، «الاستثمار البديل ساعد المستثمرين في تنويع مصادر الدخل والتقليل من المخاطر التي تشهدها الأسواق المالية والاستثمار في الكريبتو، كما أن الاقتراض الجماعي يسمح بتملك حصص أو أسهم في عقارات دون الحاجة إلى الدفعة الأولى كما هي الحال في القروض السكنية المصرفية، ويضمن هذا الاستثمار عائدات بين 6.5 و12 في المئة من حجم الاستثمار».
ولكن هل هذا النوع من التمويل خالٍ من المخاطر؟
في بعض الدول العربية، يفتقر التمويل الجماعي إلى الأطر التنظيمية والبنى التحتية التكنولوجية والعناصر البشرية المؤهلة.
ويعد التمويل الجماعي -لا سيما القائم على الأسهم- نوعاً من أنواع المعاملات المالية والاستثمارات عالية المخاطر، وهو ما يستلزم مزيداً من التنظيم الرقابي والقانوني.
ولا يزال التمويل الجماعي في معظم الدول العربية يقوم على مبدأ التنظيم الذاتي أو عبر إرشادات أو معايير حوكمة لمنصات التمويل الجماعي تضعها السلطات المالية، وتعمل بعض الدول العربية حالياً على أطر قانونية لتنظيم هذه التقنيات والمنصات، وهي جهود تتصدرها دولة الإمارات التي كانت سباقة لسن قوانين خاصة للتمويل الجماعي.
وقال البلوشي: كانت سلطة دبي للخدمات المالية السباقة بين دول الخليج في سن تشريعات خاصة متعلقة بالتمويل الجماعي، الأمر الذي ساعد في عمليات الاستحواذ على التراخيص وتنظيم عمل المنصات وحماية حقوق كل من المنصات والمستثمر والشركات الصغيرة والمتوسطة».
مروحة التمويل الجماعي واسعة، لكن رغم الثورة الرقمية والحاجة المتزايدة إلى الابتكار في الأعمال، يظل الانكماش الاقتصادي سبباً رئيسياً في انتقال التمويل الجماعي من مفهوم الحشود إلى نموذج أعمال قائم على الشراكة بين البنوك والمؤسسات لتوفير السيولة في زمن النُدرة.