في أحد مباني وسط القاهرة، كان الباب الزجاجي للقاعة 108 التي تشغلها شركة «تابي» مغلقاً منذ أيام.. المقاعد داخل القاعة خاوية والمكاتب مهملة، فوق أحدها زجاجة ماء نصف ممتلئة.
سبق هذا المشهد إعلان «تابي»، العاملة في مجال التمويل الاستهلاكي، خروجها من السوق المصرية، حيث طلبت في بريد إلكتروني أرسلته للمتعاملين معها التوقف عن إجراء عمليات جديدة اعتباراً من 23 مارس آذار وحذف التطبيق، بل وحذف العلامة التجارية من واجهات المتاجر قبل التاريخ ذاته.
«تابي» ليست الشركة الناشئة الوحيدة التي تعلن الخروج من مصر؛ فبعد أيام قليلة أعلنت «ماني ماستر»، التي تعمل في تنظيم جمعيات الادخار والائتمان الدورية عبر الإنترنت، تصفية أعمالها وتكليف محاسب قانوني بإتمام الإجراءات وسداد التزاماتها للعملاء.
الجمعيات هي وسيلة ادخار شعبية في مصر تتيح لمجموعة من محدودي الدخل الادخار فيما بينهم عن طريق سداد كل من المشتركين مبلغاً محدداً كل شهر، ما يسمح لكل منهم بالحصول على مبلغ مجمد دفعة واحدة، بدلاً من الاعتماد على محاولات الادخار الفردية.
خروج «تابي» من مصر وتصفية نشاط «ماني ماستر» في حيز زمني ضيق أثار قلق الخبراء ورواد الأعمال في البلاد.
عزت «تابي» خروجها من مصر إلى «التطورات الأخيرة التي تؤثر على الاقتصاد المصري والتي تضع نموذج أعمالنا أمام تحديات للحفاظ على مبدئنا المبني على منح التمويل دون فوائد».
تدقيق ضعيف للقدرة على السداد
قالت العضو المنتدب بشركة «جلف كابيتال» ورئيس قسم إفريقيا، ميراي ذكي، في اتصال هاتفي مع «CNN الاقتصادية» إن «السوق المصري ينمو بشكل ضخم وشركات التطبيقات التي تعمل في المجال المالي تساعد بشكل كبير في إدخال العملاء من غير المتعاملين مع البنوك إلى النظام المصرفي، لكن قطاع (احصل على الشيء الآن وادفع لاحقاً) يواجه تحديات، أهمها عدم القدرة على التأكد من جدارة الأشخاص على السداد وصعوبة الحصول على ضمانات حقيقية».
أهم ما يجمع الشركتين هو نوع العملاء المستهدفين، وهم العملاء الذين لا يتعاملون مع البنوك، ويقدر عددهم في مصر بنحو 67 في المئة من السكان، بحسب البنك المركزي المصري.
هؤلاء لا يقدمون ضمانات كافية للشركات، والأزمة الاقتصادية قد تدفعهم إلى التخلف عن السداد، حيث وصلت نسبة التضخم في المدن المصرية في يناير كانون الثاني إلى 25.8 في المئة.
صعوبة السداد
فسر هشام عبدالغفار، المحاضر بكلية إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية في القاهرة، رسالة «تابي» في لقاء مع «CNN الاقتصادية» بأن «تكلفة الأموال مرتفعة جداً في مصر، حيث تبلغ فائدة القروض البنكية نحو 18 في المئة، ومن المرشح أن ترتفع أكثر إذا رفع البنك المركزي سعر الفائدة مجدداً نهاية الشهر الحالي، كما أن التضخم يرفع تكاليف الحياة في مصر، ما أضعف من قدرة المقترضين على سداد التزاماتهم».
أحمد محمد (الذي قدم نفسه باسم مستعار) هو أحد رواد الأعمال، ويملك شركة ناشئة تعمل منذ نحو ثلاث سنوات في السوق المصرية ودولة خليجية، فسر الصورة في لقاء مع «CNN الاقتصادية» من منظور آخر، إذ يرى أن أسباب خروج الشركات تتخطى عامل عدم قدرة الأشخاص على السداد بسبب التضخم، ويقول إن سوق الاستثمار في الشركات الناشئة متوقفة منذ نحو عام بسبب تذبذب سعر صرف الدولار.
وتابع «في الماضي، كان يكفي عرض نموذج العمل أمام أحد المستثمرين ليوافق على منح تمويل بملايين الدولارات بعد عشرين دقيقة من العرض، لكن منذ نحو عام جميع أصحاب رأس المال المخاطر في المنطقة يرون أن الجنيه مقوم بأعلى من قيمته ما بين عشرة و25 في المئة، ويفضلون الانتظار لحين تقييم الجنيه بقيمته الحقيقية».
منسحبون آخرون؟
ستكتفي «تابي»، بحسب أحد العاملين في مكتبها بالقاهرة، «بوجود مركز دعم فني» لخدمة نشاطها في التمويل الاستهلاكي خارج مصر، وستستبدل مقر وسط القاهرة -حيث زجاجة الماء نصف الخاوية- «بمركز أكبر في إحدى المدن الجديدة، ففارق سعر الصرف وانخفاض أجر العاملين يتيح تقليل نفقاتها دون الدخول في عمليات تمويلية واسعة».
أما ميراي ذكي فترى «أن السوق ستصبح أكثر نضجاً في غضون خمس سنوات».
لكن أحمد محمد ليس بنفس التفاؤل، ويعتقد أن «تابي لن تكون آخر الشركات المتخارجة من السوق المصري»، مضيفاً أن مجتمع رواد الأعمال «يتنبأ بإنهاء نشاط الكثير من الشركات الناشئة في مصر أو إعلان إفلاسها».