معالم الأزمة الاقتصادية التي ضربت العالم عام 2008، تظهر في مشهد جديد وإن لم يكن مشابهاً تماماً، لكن هذه المرة من الصين.
اثنتان من عمالقة التطوير العقاري في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم على شفا الانهيار، وسط أزمة أوسع نطاقاً، فمنذ منتصف عام 2021، تخلفت شركات تمثل 40 في المئة من مبيعات المنازل الصينية، معظمها من مطوري العقارات الخاصة، عن سداد ديونها.
أزمة «إيفرغراند»
الأولى هي إيفرغراند التي تقدمت بطلب للحصول على الحماية من الإفلاس في الولايات المتحدة، بعد أن واجهت المجموعة صعوبات في 2021 نتيجة ديون هائلة تخطت 300 مليار دولار.
وتعمل المجموعة منذ أشهر على خطة لإعادة هيكلة ديونها في الخارج وقدمت اقتراحاً بهذا الصدد في وقت سابق هذه السنة، ما أفقد أسهمها نحو 50 في المئة من قيمتها خلال أغسطس آب الجاري.
وتتضمن إعادة هيكلة الديون الخارجية للمجموعة ما إجماليه 31.7 مليار دولار، تشمل سندات وضمانات والتزامات إعادة شراء، وستجتمع الشركة مع الدائنين في وقت لاحق من الشهر بشأن اقتراح إعادة الهيكلة.
كما يُذكر أن «إيفرغراند» سبق أن تخلت عن أصول بقيمة 818 مليون دولار لسداد جزء من ديونها، العام الماضي.
أزمة «كانتري غاردن»
من جهة أخرى، عصفت الأزمة بمجموعة «كانتري غاردن» التي تخلفت عن سداد ديونها، وهي تواجه صعوبات وصفتها رئيستها التنفيذية بأنها الأقسى منذ تأسيسها عام 1992.
فقد أعلنت « كانتري غاردن» نهاية الأسبوع أنها ستعلّق تداول سنداتها الداخلية بدءاً من يوم الاثنين، مفيدة بأن ديونها بلغت 159 مليار دولار في أواخر 2022، في حين تراوحت خسائرها في النصف الأول من العام ما بين 6.2 و7.6 مليار دولار.
تجدر الإشارة إلى أن الصين خفّضت بشكل غير متوقع أسعار الفائدة الرئيسية في وقت سابق من هذا الأسبوع في محاولة لدعم النشاط المتعثر ومن المتوقع أن تخفض أسعار الفائدة على القروض الرئيسية يوم الاثنين المقبل، لكن المحللين في «رفينيتيف» يقولون إن التحركات حتى الآن كانت غير كافية ومتأخرة للغاية.
كما كشفت هيئة تنظيم الأوراق المالية في الصين عن حزمة من الإجراءات يوم الجمعة تهدف إلى إنعاش سوق الأوراق المالية المتدهورة، لكن المستثمرين قالوا إنهم لن يفعلوا الكثير لتعزيز الثقة إذا ظل الاقتصاد متباطئاً.
تداعيات أزمة التطوير العقاري الصيني على العالم
النقطة الأهم، وليس للصين وحدها، هي أن العالم بأسره يعول على الصين والهند بنسبة 50 في المئة لرفع النمو الاقتصادي العالمي، حسبما قاله صندوق النقد في تقرير نُشر في مارس آذار الماضي.
لكن المخاوف متفاقمة يوماً بعد يوم بشأن الاقتصاد الصيني، ومشكلات ضعف الحوكمة في الهند التي تجلت بأزمة مجموعة «أداني إنتربرايز» التي أفقدت مالكها غوتام أداني نحو نصف ثروته، أو ما يوازي 60 مليار دولار، وكبدت أسهم المجموعة خسائر بنحو 71 في المئة منذ بداية العام الجاري.
قال الخبير في أسواق المال عمرو زكريا، في حديث لـ«CNNالاقتصادية» «إن كل التقارير التي صدرت مؤخراً تشير إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي، لكن حدوث أزمة عالمية خصوصاً في العام الجاري هو أمر مستبعد».
غير أنه أوضح أن «الركود هو الأمر الأكثر ترجيحاً، وخصوصاً في النصف الأول من العام المقبل لعدة أسباب، أهمها الفرق بين عوائد سندات الخزانة الأميركية لأجَل سنتين، مقارنة بعوائد سندات العشر سنوات التي وصلت لأدنى مستوى منذ الثمانينيات»، وهو الأمر الحاسم لهذه الشركات الكبرى التي تمول نفسها من البنوك وتتأثر بشكل كبير بعوائد سندات العشر سنوات ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليفها بشكل كبير.
وأضاف أن الاقتصادات الناشئة قد تكون الأكثر عرضة لأزمة اقتصادية، لكن تأثيرها على الاقتصاد العالمي ليس قوياً بشكل يكفي للتأثير عليه بشكل سلبي.