تتنوع قطاعات الشركات الناشئة بشكلٍ كبير في المنطقة العربية من التكنولوجيا المالية والتجارة الإلكترونية إلى النقل الذكي والتشاركي مروراً بقطاعات الصحة والتعليم والزراعة إلى جانب العقارات.

وتفوقت الشركات الناشئة السعودية بشكلٍ كبير خلال الفترة من عام 2020 إلى العام الماضي، إذ استحوذت على النصيب الأكبر من صفقات التمويلات خاصةً في قطاعات التمويل الاستهلاكي والتكنولوجيا المالية.

وفي المملكة العربية السعودية شهد مجال ريادة الأعمال والشركات الناشئة تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، كما أطلقت الحكومة عدداً من المبادرات لدعم رواد الأعمال وتعزيز بيئة ريادة الأعمال في المملكة.

وفي هذا الإطار قال مستشار المشاريع علي الغدير، في حديثه مع «CNN الاقتصادية»، إن ريادة الأعمال تعتبر من أهم العوامل التي تسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ تخلق فرص عمل جديدة وتسهم في الابتكار ونقل التكنولوجيا.

وأضاف أن «أحد أهم المؤشرات الرئيسية على تطور ريادة الأعمال هو النمو في عدد الشركات الناشئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة»، وبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية، فقد بلغ عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية نحو 2.2 مليون منشأة عام 2023، بزيادة قدرها 10.2 في المئة مقارنة بالعام الذي سبقه، وتشكّل هذه المنشآت ما يقرب من 99 في المئة من إجمالي المنشآت في المملكة، كما توفّر نحو 70 في المئة من فرص العمل.

نمو الشركات الناشئة في السعودية

بدوره، أوضح وليد البلاع الشريك المؤسس لصندوق سُكنى فنتشرز لرأس المال الجريء في حواره مع «CNN الاقتصادية»، أن الشركات الناشئة السعودية قد حققت نمواً كبيراً خلال الفترة الماضية ما سمح بتنوع أشكال التمويلات التي تتلقاها الشركات على غرار التمويل بالملكية.

ويتفق معه الغدير، إذ يقول إن الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية حققت أيضاً نمواً ملحوظاً في التمويل في السنوات الأخيرة، وبحسب تقرير (نمو بيئة ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية: آفاق التحوّل) الصادر عن شركة (رولاند بيرجر)، فقد بلغ إجمالي التمويل الذي حصلت عليه الشركات الناشئة في المملكة 987 مليون دولار عام 2022، بزيادة قدرها 72 في المئة مقارنة بعام 2021.

أمّا حاضنات الأعمال والمسرعات فهي تؤدي دوراً مهماً في دعم رواد الأعمال الناشئين من خلال توفير الدعم والتوجيه لهم، وفي المملكة العربية السعودية، هناك عدد من حاضنات الأعمال التي تقدّم خدماتها لرواد الأعمال التي تتزايد بشكلٍ مستمر وتتكامل في تقديم الخدمات لرواد الأعمال.

تحديات لا مفر منها

أشار البلاع إلى أن الشركات الناشئة السعودية تواجه حزمة من التحديات أبرزها غياب ثقافة التخارج، إضافة إلى غياب سياسة الاستحواذ والاندماج من الشركات الكبرى على الشركات الريادية، لافتاً إلى أن السوق السعودية لم تصل إلى مرحلة التشبع من التمويلات، هذا بالإضافة إلى عدم وجود أعداد كبير من الشركات (اليونيكورن) التي يتجاوز تقييمها المليار دولار مقارنة بالأسواق المشابهة لها.

عدد التخارجات من الشركات الناشئة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

وعلى الرغم من الميزات التي تتمتع بها بيئة ريادة الأعمال في السعودية، فإنها شكّلت تحدياً في الوقت ذاته، وأصبحت عبئاً على الشركات الناشئة والمشاريع الصغيرة، فوفقاً لاستطلاع أجرته «CNN الاقتصادية»، فإن أغلب رواد الأعمال وأصحاب المشاريع يرون الكثير من التحديات في عددٍ من المناطق بالسعودية أهمها ينبع، مقارنة بنسبة أقل ترجّح أن مستقبل ريادة الأعمال في السعودية خلال العام الجاري سيكون مبشراً.

بدورها، أرجعت رائدة الأعمال السعودية مؤسسة (تير كافيه) رغدة أبوعظمة، أسباب التحديات في قطاع ريادة الأعمال، إلى التطور السريع والتضخم المالي وزيادة المنافسين في المجالات كافة.

وأضافت في حديثها مع «CNN الاقتصادية»، قائلة «إذا لم يكن رائد الأعمال مميزاً من النواحي كلها، فصعب جداً أن يحافظ على استمراره وازدهاره، أو إذا لم يكن لديه الضخ المالي الذي يمكّنه من الإضافة لمشروعه كل فترة، فلن يصمد طويلاً، لأن المال يجلب المال بكل بساطة».

كما حذّرت من انتشار المنافسة الصينية، التي تفرض الكثير من التحديات وعلى رأسها البيع بأسعار أرخص.

وبحسب بيانات موقع (ماغنيت)، فقد سجّلت عمليات التخارج على أساس سنوي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هبوطاً بنحو 38 في المئة على أساس سنوي خلال العام الماضي إلى 44 عملية تخارج مقابل 71 عملية تخارج خلال عام 2022 و41 عملية تخارج خلال عام 2021.

وأوضح البلاع أن مؤشر التقييمات الخاصة بالشركات الناشئة السعودية خاصةً تلك التي في المراحل المبكرة قد ارتفع بنحو 44 في المئة، بحسب منصة بيانات الشركات الناشئة (ماغنيت) خلال العام الماضي، ما دفع المستثمرين إلى ضخ المزيد من الأموال في الشركات الناشئة بتلك المرحلة على أمل أن تصل إلى مرحلة التخارج.

وأرجع حصول شركات التكنولوجيا المالية السعودية على حصة كبيرة من التمويلات إلى تحول الاقتصاد بشكلٍ عام من اقتصاد تقليدي إلى اقتصاد رقمي، مبيناً أن التحول لا يقتصر على الاقتصاد السعودي فحسب، بل يمتد ليشمل الاقتصاد العالمي، ما جعل هناك حاجة إلى مزيدٍ من التطوير للبُنى التحتية الرقمية والتي تحتاج إلى زيادة بمعدل الاستثمار بشكلٍ كبير.

ولفت البلاع إلى أن عمليات التمويل خلال العام الماضي شهدت ظهور صناديق رأس مال جريء على ساحة تمويلات الشركات الناشئة لم يكن لها وجود من قبل مثل صندوق (حصانة) والتابع للتأمينات إلى جانب صندوق (سورس كابيتال) الأميركي، اللذين شاركا في الجولة التمويلية الأخيرة لشركة (تابي) والتي بلغت قيمتها 250 مليون دولار إلى جانب 700 مليون دولار تمويلات للديون.

على نحو آخر شارك صندوق (سنابل) وهو ذراع رأس مال المخاطر لصندوق الاستثمارات العامة السعودي إضافة إلى ذراع الاستثمار الجريء لبنك (الأهلي كابيتال)، اللذان أسهما في قيادة الجولة التمويلية التي أغلقتها شركة (تمارا) والتي بلغت قيمتها 340 مليون دولار نهاية العام الماضي.

الشركات الناشئة السعودية في الصدارة

كانت الشركات الناشئة السعودية قد تصدرت قائمة الأكثر حصداً للتمويلات خلال شهر ديسمبر كانون الأول الماضي وفقاً لبيانات مؤسسة الأبحاث السوقية (ومضة)، إذ استطاعت حصد تمويلات تتجاوز قيمتها المليار دولار، ما جعل شركات المملكة الأكثر تمويلاً بين شركات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ووفقاً لبيانات موقع ماغنيت سجّلت السعودية زيادة بنحو 33 في المئة في حجم التمويلات التي حصلت عليها خلال العام الماضي بإجمالي 1.38 مليار دولار، بينما حلّت الإمارات ثانياً بإجمالي تمويلات قيمتها 691 مليون دولار مسجّلة انخفاضاً بنسبة 45 في المئة، تليها مصر ثالثة بإجمالي 378 مليون دولار مسجّلة انخفاضاً بنسبة 30 في المئة، أمّا المغرب فجاء رابعاً مسجلاً زيادة في حجم التمويلات بنحو 193 في المئة بإجمالي 81 مليون دولار.

مستقبل ريادة الأعمال في السعودية في 2024

حدد الغدير مجموعة من العوامل التي تدعم نمو ريادة الأعمال في السعودية خلال عام 2024، بناءً على التقارير الصادرة عن الجهات المختصة في السعودية، ومن أبرزها:

– النمو الاقتصادي

يشهد الاقتصاد السعودي نمواً متسارعاً، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7 في المئة عام 2024، ويؤدي هذا النمو إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، ما يوفّر فرصاً لرواد الأعمال لإنشاء مشاريع جديدة.

– البنية التحتية الرقمية

تمتلك المملكة العربية السعودية بنية تحتية رقمية متطورة، ما يسهّل على رواد الأعمال الوصول إلى المعلومات والتقنيات اللازمة لبدء وإدارة أعمالهم.

– التشريعات الداعمة

أصدرت المملكة العربية السعودية العديد من التشريعات الداعمة لريادة الأعمال، مثل قانون الاستثمار الأجنبي وقانون الشركات، وتسهم هذه التشريعات في تسهيل بدء الأعمال التجارية وتعزيز الاستثمار الأجنبي.

وبناءً على هذه العوامل، فمن المتوقع أن يشهد مجال ريادة الأعمال في السعودية تطوراً في العام الجاري، ما ينعكس على زيادة عدد رواد الأعمال، إذ رجّح الغدير أن يزداد عدد رواد الأعمال في السعودية خلال عام 2024، إذ تستهدف المملكة الوصول إلى مليون رائد أعمال بحلول عام 2030.

وأفاد بأن القطاعات ستشهد تنوعاً كبيراً، فلن يقتصر قطاع ريادة الأعمال والشركات الناشئة على القطاعات التقليدية، مثل التجارة والصناعة، بل سيشمل أيضاً القطاعات الناشئة، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.