وسط ركود التمويل الفيدرالي والأجور المنخفضة، اتجه العلماء الأميركيون إلى مغادرة القطاع الأكاديمي خاصة في مجال الطب الحيوي، بحثاً عن وظائف عملية ذات رواتب أفضل.
هذا الأمر يشكل علامة مثيرة للقلق بالنسبة لمستقبل البحث والتطوير الطبي في الولايات المتحدة في شركات الأدوية و التكنولوجيا الحيوية، والتي تعتمد على العلوم التجريبية الموجودة في الجامعات لتطوير المنتجات التجارية المتطورة.
ووفقاً للمعاهد الوطنية للصحة، فقد انخفض عدد زملاء ما بعد الدكتوراه المدعومين من منح المعاهد الوطنية للصحة بشكل مطرد منذ أكثر من 20 عاماً، مع انخفاض كبير بعد عام 2020.
كما انخفض عدد باحثي ما بعد الدكتوراه في المجالات البيولوجية والطبية الحيوية بنسبة 9 في المئة بين عامي 2018 و2022، وانخفض أعداد العاملين في المجالات المتعلقة بالصحة بنسبة 8 في المئة، وفقاً لمسح نشرته المؤسسة الوطنية للعلوم في 20 مارس آذار.
تطوير البحث العلمي
تعتبر المشكلة الأساسية أن باحثي ما بعد الدكتوراه يشكلون عنصراً حاسماً في القوى العاملة في مجال البحث والتطوير.
وقالت دونا غينثر، الخبيرة الاقتصادية التي تدرس سوق العمل العلمي في جامعة كانساس، لشبكة CNN إن باحثي ما بعد الدكتوراه يقدمون مساهمات مهمة جداً للاكتشافات العلمية الجديدة.
وتعتبر هذه المساهمات جزءاً من لعبة طويلة، إذ تأخذ شركات الطب الحيوي، بعض المساهمات العلمية، ومع مرور الوقت، تجمعها في منتج تجاري.
وبناءً على هذه المساهمات، جاء اكتشاف الحمض النووي الريبوزي المرسال في ستينيات القرن الماضي، وكانت هذه الأبحاث سبباً في تطوير اللقاحات لعقود من الزمن حتى وصلت إلى تطوير لقاح كوفيد-19 في عام 2020 لأول مرة.
وقالت غينثر، إن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً منذ هذا الاكتشاف الأول لتحويله إلى منتج.
في عام 2005، علم الباحثون أن الحمض النووي الريبوزي يمكن أن يكون له إمكانات علاجية هائلة، لكنهم لم يجدوا أي اهتمام بهذا الاكتشاف، حسبما صرحت عالمة الكيمياء الحيوية الحائزة جائزة نوبل الدكتورة كاتالين كاريكو لمجلة (وايرد) في عام 2020.
وباستخدام هذه التكنولوجيا لتطوير لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال لكوفيد-19، حققت شركات الأدوية مثل فايزر وموديرنا أرباحاً غير متوقعة.
بين عامي 2020 و2021، تضاعفت إيرادات شركة فايزر تقريباً، وفي الفترة نفسها ارتفع إجمالي إيرادات موديرنا من 803 ملايين دولار إلى 18.5 مليار دولار، وهو نمو مذهل قالت عنه الشركة إنه يرجع في المقام الأول إلى المبيعات التجارية للقاح كوفيد-19.
لماذا يغادر العلماء المختبرات الأكاديمية؟
على الرغم من ارتفاع عدد طلاب الدراسات العليا الذين يسعون للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه، في مجالات الطب الحيوي بنسبة 22 في المئة بين عامي 2018 و2022، فإن هناك الفجوة في الأجور بين الأوساط الأكاديمية والصناعة، الأمر الذي ينفرهم من الوظائف الأكاديمية.
تحدد المعاهد الوطنية للصحة مبالغ الرواتب للمواطنين الأميركيين في برامج ما بعد الدكتوراه، يبلغ راتب ما بعد الدكتوراه في السنة الأولى نحو 56 ألف دولار سنوياً، مع زيادات هامشية في الأجور السنوية، ولكن في مجال التكنولوجيا الحيوية، يمكن لخريجي ما بعد الدكتوراه والدكتوراه أن يصلوا بسهولة إلى مئات آلاف الدولارات.
عملت جينثر في لجنة استشارية للمعاهد الوطنية للصحة في ديسمبر، إذ أوصت بالتعاون مع زملائها المعاهد الوطنية للصحة بزيادة مبالغ رواتبهم بنسبة 34 في المئة إلى 70 ألف دولار سنوياً.
وحذَّر الخبراء من تداعيات الأمر، خاصة أن الباحثين هم المهيمنون على تطوير اللقاحات، ووجدت دراسة جديدة لمنظمة الصحة العالمية أن لقاحات كوفيد-19 أنقذت حياة 1.4 مليون شخص في أوروبا وحدها، وقلصت الوفيات بنسبة 57 في المئة.
ويقدر خبراء الرعاية الصحية أنه خلال 103 أعوام كان الأنسولين متاحاً لعلاج مرض السكري، أنقذ الدواء عشرات الملايين من الأرواح.
لذلك، فإن نقص التمويل قد يعيق هذه الاكتشافات الطبية المستقبلية في مجال الصحة العامة من السرطان إلى ألزهايمر أو نوع غير معروف بعد من الأوبئة.