«فقدتُ كل شيء ومضطرة اليوم أن أبدأ من الصفر» بهذه الكلمات استهلت سالي النحوي رائدة الأعمال الفلسطينية حديثها مع «CNN الاقتصادية»، وكانت الفتاة العشرينية قد أطلقت شركتها الناشئة في قطاع غزة في يناير كانون الثاني عام 2023، ولكن الحرب في غزة أجبرتها على النزوح إلى رفح في جنوب القطاع ثم إلى مصر بعد أن فقدت كل شيء حتى الحاسوب الذي كانت تستخدمه في عملها.

فشركتها المسماة نوح -في إشارة إلى سفينة النجاة المذكورة في القصص القرآني والتوراة- والعاملة في مجال التصميمات الرقمية وتحسين أداء محركات البحث (SEO) قد اختفت من الوجود مع اندلاع الحرب في غزة.

وينشط في قطاع غزة الكثير من الشركات الناشئة ومصممي المواقع الإلكترونية والتطبيقات بفضل انتشار الشباب في القطاع، فأغلبهم كان يعمل عن بُعد، قبل الحرب، لحساب شركات في دول الخليج العربي وأوروبا.

كما أن أغلب الشركات الناشئة في غزة تنمو بفضل المنح والتمويل الملائكي بدلاً من رأس المخاطر الذي يرى في الاستثمار في شركات غزة الناشئة مخاطرة كبيرة، ويعد التوسع في مصر حلماً لرواد الأعمال من قطاع غزة إذ إنها البوابة الوحيدة للقطاع.

البحث عن شريك مصري

أمل شُراب، المدير التنفيذي لشركة شابو العاملة في مجال تنظيم العمالة المؤقتة عن بعد (فري لانسرز)، فقدت مقر شركتها في اليوم الأول للحرب، ولكنها تحاول أن تجد «شريكاً مصرياً» كي تتمكن من تأسيس الشركة في مصر.

ويمكن للأجانب الحصول على إقامة مؤقتة في مصر بعد دخولهم الأراضي المصرية بشكل شرعي كما يمكنهم تأسيس شركات بموجب قانون مناطق الاستثمار، ولكن المواطنين الفلسطينيين يواجهون صعوبة في تجديد إقاماتهم في مصر منذ عام 1978 بعد قرار الرئيس المصري السابق أنور السادات إلغاء المميزات التي يحصل عليها الفلسطينيون في مصر بعد اغتيال الأديب يوسف السباعي في قبرص على يد مجموعة راديكالية فلسطينية.

وتعارض مصر بشكل صارم أي نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة، ويأتي ذلك في إطار رفض عربي واضح لأي تكرار لسيناريو الهروب الجماعي لمئات آلاف الفلسطينيين إبان أحداث النكبة وقيام دولة إسرائيل في الخامس عشر من مايو أيار 1948.

غموض حول عدد النازحين الفلسطينيين في مصر

وتقدر سفارة السلطة الفلسطينية في القاهرة عدد النازحين من غزة منذ بداية الحرب بنحو 100 ألف فلسطيني، وكان محافظ شمال سيناء قد أعلن في فبراير شباط الماضي أن 10 آلاف شخص من غزة قد عبروا الحدود إلى مصر منذ بداية الحرب، وذلك دون استخدام لفظ نازحين أو ذكر سبب عبور هؤلاء الأشخاص.

ولكن النحوي وشُراب وغيرهما من رواد الأعمال وصلوا إلى مصر في مارس آذار الماضي، أي بعد تصريحات المسؤول المصري.

رايان ستورجيل، المدير التنفيذي السابق لمسرعة أعمال غزة سكاي جيكس قال في لقاء مع «CNN الاقتصادية»، إن معظم الشركات الناشئة الفلسطينية «إما تستهدف السوق السعودية أو السوق المصرية، وقد رأيت بالفعل تدفقاً كبيراً من شركات رأس المال المخاطر المصرية الراغبة في دعم الشركات الناشئة الفلسطينية، فالمؤسسون موجودون هنا، وكما تعلمون، تقدر الإحصاءات -وأعتقد- أن نحو 10 آلاف شخص من سكان غزة قد فروا من هناك، ومعظمهم الآن في القاهرة لأنه من الصعب جداً عليهم السفر إلى بلدان أخرى في الوقت الحالي بسبب الوضع السياسي».

وأعرب ستورجيل عن تفاؤله إذ يرى أن «كل شيء متاح في القاهرة، وأنها فرصة للتكنولوجيا المصرية والنظام البيئي للأعمال والاستثمار لمساعدة الشركات الناشئة التي أتت من غزة».

البحث عن فرصة جديدة في مصر

أما فالنتينا بريمو، مؤسسة قمة شركات ناشئة بلا حدود، فقد قالت في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن «الموهبة ليست حكراً على أحد، وصل خلال الأشهر القليلة الماضية العديد من رواد الأعمال من غزة، ورأينا صموداً وإصراراً لا يصدق من جانبهم، فرواد الأعمال مضطرون لإعادة بناء حياتهم، ومع ذلك سيظلون يركزون على أعمالهم التجارية، إنهم يركزون على التعلم والنمو والاتصال بالنظام الاقتصادي المحلي وإضافة قيمة إلى الاقتصاد المصري والبيئة الاقتصادية المصرية».

وأضافت بريمو أن «51 في المئة من شركات وادي السليكون التي تتخطى قيمتها مليار دولار أميركي -يونيكورن- أسسها مهاجرون، هناك عقبات قانونية تعوق العديد من المواهب الأجنبية عن تقديم قيمة للنظام البيئي المحلي للأعمال، ونسعى الآن لإيجاد حلول لهذه العقبات ومعالجتها من خلال المجتمع».

أما لورا دي سانتولو، الرئيس التنفيذي لحاضنة الأعمال الهولندية فوروارد إنكوربوريشن، فستبقى في القاهرة لمدة تقترب من عشرة أيام للقاء رواد الأعمال من اللاجئين والنازحين في مصر من السودانيين وفلسطينيي غزة وغيرهم.

وقالت دي سانتولو في لقاء مع «CNN الاقتصادية» إن منظمتها غير الحكومية تدعم «النازحين قسراً من رواد الأعمال في إيجاد تمويل لشركاتهم الناشئة، وأيضاً إدارة التمويل»، «يتمثل دورنا في مساعدتهم في كل مراحل نمو الشركة، نحن لا نحصل على أي حصص من الشركات وهو أمر مختلف عن معظم حاضنات ومسرعات الأعمال، نحن ندعم المؤسسين من الألف إلى الياء بكل ما يحتاجون إليه، إذا كانوا حقاً بحاجة إلى رأس المال فلدينا صندوقنا الخاص».

في النهاية نجح بعض رواد الأعمال النازحين في عبور محطة مصر والسفر إلى المملكة العربية السعودية ربما لتأسيس شركاتهم هناك، كما نجحت شُراب في لقاء بعض المستثمرين المصريين من صناديق رأس المال المخاطر في النصف الأول من مايو أيار، وأبدت تفاؤلها باقتراب عقد شراكة مع طرف مصري وتشعر أن «التوسع في مصر ضرورة وربما سرّعت الحرب هذه الخطوة».

أما النحوي فتبدو تائهة ولا تعرف بعد بداية الطريق التي ستسلكها، ولكنها عازمة على استئناف عملها.