انطلقت مسيرة عملاق النفط السعودي أرامكو بعبارة خلدها التاريخ حين توجه الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود بالحديث لوزير المالية عبدالله السليمان الحمدان بخصوص توقيع اتفاقية الامتياز مع شركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا «سوكال» في 29 مايو أيار 1933، حيث قال «توكل على الله ووقّع».
وبعد 91 عاماً من الانطلاقة، وفي ظل خطتها لتنويع موارد الاقتصاد بعيداً عن النفط، تعتزم المملكة العربية السعودية طرح 1.545 مليار سهم تعادل 0.64 في المئة من أسهم شركة أرامكو العملاقة في صفقة تاريخية.
وسيتراوح النطاق السعري للسهم بين 26.70 (7.12 دولار) و29 ريالاً، ما يعني أنها ستجمع نحو 12 مليار دولار عند الحد الأقصى للنطاق السعري.
لكن الشركة قد تبيع عن طريق خيار التخصيص الزائد نحو 1.7 مليار سهم أو ما يعادل 0.7 في المئة، وهو ما سيرفع قيمة الصفقة إلى 13.1 مليار دولار عند الحد الأقصى للنطاق السعري، ويسمح ذلك الخيار للمصرفيين باستخدام الأسهم في جعل سعر الطرح مستقراً.
طرح أرامكو يتوج جهود السنوات
يعد الطرح تتويجاً لجهود استمرت سنوات لبيع حصة أخرى في واحدة من أعلى الشركات قيمة في العالم بعد طرح عام أولي في 2019 جمع مبلغاً غير مسبوق بلغ 29.4 مليار دولار.
وأرامكو المملوكة للدولة هي أكبر منتج للنفط وتصديره في العالم، إذ تضخ نحو 10 في المئة من الإمدادات العالمية، كما أنها من بين أكثر الشركات ربحية في العالم، إذ حققت أرباحاً صافية قدرها 27.3 مليار دولار في الربع الأول.
وحققت أرامكو العام الماضي صافي ربح سنوي قدره 121.3 مليار دولار، وهو ثاني أعلى أرباحها على الإطلاق بعد أن حققت 161.1 مليار دولار في عام 2022.
أكبر شركة نفط في العالم
أرامكو هي أكبر شركة متكاملة للنفط والغاز في العالم، وتعود بدايتها إلى عام 1933، عندما أُبرمت اتفاقية الامتياز بين المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، وتم حينها إنشاء شركة تابعة لها سميت بكاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة هذه الاتفاقية.
واكتشف المنقبون من شركة ستاندرد أويل، النفط في السعودية في عام 1938، وبعد تسميتها بأرامكو (شركة الزيت العربية الأميركية)، بلغ إنتاج النفط الخام 500 ألف برميل في اليوم في عام 1949، بحسب الموقع الإلكتروني للشركة.
ومع التزايد السريع في إنتاج النفط، أصبح من الضروري على الشركة توسيع نطاق أعمالها في قطاع التوزيع أيضاً، ففي عام 1950م، أنجزت الشركة خط الأنابيب عبر البلاد العربية «التابلاين» الذي يبلغ طوله 1212 كيلومتراً والذي يعد الأطول في العالم.
ربط خط التابلاين المنطقة الشرقية في المملكة بالبحر الأبيض المتوسط ما أسهم في اختزال زمن وتكلفة تصدير النفط إلى أوروبا بشكل كبير، وبعد عامين من التنقيب في مياه الخليج العربي الضحلة، اكتشفت الشركة حقل السفانية في عام 1951 الذي يعد أكبر حقل نفط بحري على مستوى العالم.
وفي عام 1958، تجاوز إنتاج شركة أرامكو من النفط الخام مليون برميل يومياً، وبحلول عام 1962 بلغ الإنتاج التراكمي للنفط الخام 5 مليارات برميل.
وبحلول عام 1980 كانت الحكومة السعودية قد اشترت جميع الأسهم من كل المساهمين الأصليين وأصبحت تملك الشركة بنسبة 100 في المئة، وبعد ثماني سنوات تأسست رسمياً شركة أرامكو السعودية.
وفي عام 1981، وللمرة الأولى تجاوز شحن النفط الخام والمنتجات البترولية من الفرضة البحرية في رأس تنورة مليار برميل سنوياً.
إنتاج أرامكو النفطي
ويسعى الأمير محمد بن سلمان ولي عهد المملكة لتنويع موارد الاقتصاد السعودي بحيث لا يعتمد على النفط، وقال الأمير ابن سلمان في 2016 وهو يعلن خطط الطرح الأولي لأسهم أرامكو إن على المملكة أن تنهي «إدمان النفط» لكي تضمن ألا تكون تحت رحمة التقلبات السعرية.
كان لدى أرامكو العام الماضي نحو 251.2 مليار برميل من المكافئ النفطي، وهو أكبر من الاحتياطيات المجمعة لشركات إكسون موبيل وشيفرون وشل وبي.بي وتوتال إنرجيز. ويشمل ذلك 191.35 مليار برميل من النفط الخام والمكثفات ونحو 33.8 مليار برميل من الغاز الطبيعي، وذلك حتى نهاية ديسمبر كانون الأول 2023.
وأنتجت شركة النفط العملاقة ما يزيد قليلاً على تسعة ملايين برميل يومياً في أبريل نيسان، وفقاً لمصادر ثانوية تستعين بها أوبك، وذلك بانخفاض من متوسط 9.6 مليون برميل يومياً في 2023.
وصدرت أرامكو خلال العام الماضي ما يزيد قليلاً على ثلثي إنتاجها من النفط الخام بما يعادل 6.6 مليون برميل يومياً، بانخفاض من 7.1 مليون في 2022.
لتنويع أنشطتها النفطية، تتوسع أرامكو في عمليات التكرير وصناعة البتروكيماويات، واشترت العام الماضي أنشطة المنتجات العالمية لشركة فالفولين مقابل 2.76 مليار دولار.
كما بدأت في إنشاء عدة مجمعات للبتروكيماويات من بينها مشروع بقيمة 7 مليارات دولار في كوريا الجنوبية مع شركة إس-أويل، ومشروع بقيمة 11.8 مليار دولار في الصين تقوم بتطويره شركة هواجين أرامكو للبتروكيماويات (هابكو)، وهابكو هو مشروع مشترك بين أرامكو وشمال هواجين وبانجين شينتشنغ.
وكذلك مجمع بقيمة 11 مليار دولار من خلال مشروع مشترك مع شركة توتال إنرجيز في المملكة، كما اشترت حصة 10 في المئة في شركة التكرير الصينية رونغشنغ للبتروكيماويات مقابل 3.4 مليار دولار.
وفي عام 2020، استحوذت على حصة أغلبية في الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، إحدى أكبر شركات البتروكيماويات في العالم.
وتجري أرامكو عمليات إنتاج وتكرير وتصدير النفط من السعودية، غير أن لديها أيضاً أعمال تكرير في أنحاء العالم، وتملك شركة موتيفا إنتربرايزس، وهي وحدة التكرير التابعة لأرامكو في الولايات المتحدة، مصفاة بورت آرثر بولاية تكساس والتي تبلغ طاقتها 640 ألف برميل يومياً، وهي أكبر مصافي التكرير في الولايات المتحدة.
الغاز الطبيعي
تهدف أرامكو إلى زيادة إنتاجها من الغاز بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2021، وبلغت مخزونات الغاز لدى أرامكو 207.5 تريليون قدم مكعبة بنهاية عام 2023، وأنتجت 10.67 مليار قدم مكعبة من الغاز العام الماضي.