في منطقة تواجه تحديات متزايدة على صعيد البطالة والتنمية، تتربع قضية الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على رأس الأولويات، مع معدلات بطالة هي الأعلى عالمياً، وفجوات واسعة بين متطلبات سوق العمل والمهارات المتوفرة، تبدو الحاجة إلى حلول مبتكرة أمراً ملحاً.
في هذا السياق، يظهر التعلم الرقمي كإحدى أهم الأدوات القادرة على إحداث تغيير جذري، خاصة مع منصات مثل كورسيرا التي تجمع بين التعليم المرن، التخصصات الحديثة، والتكلفة الميسرة.
وهذا الموضوع يستعرض التحديات التي تواجه الشباب في المنطقة، ويبرز الدور المحوري لمنصات التعلم الرقمي في تعزيز المهارات، وتحقيق التنمية المستدامة، ودعم الأفراد والشركات على حد سواء في مواجهة عالم سريع التغير.
أعلى نسبة بطالة في العالم
يتراوح متوسط البطالة لدى الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين 25 و30 في المئة وهو من النسب الأعلى عالمياً وفق تقارير البنك الدولي وتقارير منظمة العمل الدولية. فنحو ثلث الشباب (31.5%) في المنطقة عام 2023 لا يوظفون ولا يتعلمون ولا يتدربون وفق مؤشر NEET الذي صنف المنطقة خارج مسار أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة.
وتبقى فجوة المهارات تحدياً مهماً خاصة أن 70 في المئة من الرؤساء التنفيذين للشركات يعانون في إيجاد الخبرات اللازمة للمناصب الرفيعة كما أظهر استطلاع بي دبليو سي عام 2023.
رغم ذلك كشف جيف ماجيونكالدا، الرئيس التنفيذي لشركة كورسيرا في لقاء خاص مع CNN الاقتصادية أن المنطقة تنمو بشكل أسرع من المعدلات العالمية حيث وصل عدد مستخدمي منصة أو تطبيق «كورسيرا» للتعلم الرقمي إلى نحو 20 مليون متعلم في «ونشهد اهتماماً كبيراً بالمهارات التقنية ومهارات الأعمال ومهارات البيانات وما يقوله المتعلمون هو أن هذا يساعدهم في الحصول على المزيد من الوظائف».
التعلم المستمر
في عالم سريع التغير لم تعد المهارات التي كانت كافية لتحقيق النجاح في الوظائف التقليدية كافية للتكييف مع التطورات الراهنة لا سيما على صعيد التطور التكنولوجي، فبات من الأهمية بمكان الاستثمار في التعلم المستمر كأداة أساسية لتحسين الكفاءات وتطوير المواهب.
وتوفر كورسيرا على هذا الصعيد منصة تتعدى تمكين الأفراد لتصبح استثماراً مجدياً تتبناه الشركات كحل استراتيجي في تقليص الفجوة المستمرة بين متطلبات سوق العمل والمهارات اللازمة.
ومنذ عام 2019 توسعت منصة كورسيرا في منطقة الشرق الأوسط من خلال شراكات استراتيجية مع مؤسسات حكومية وتعليمية وشركات خاصة بهدف بناء القدرات وتعزيز المهارات.
ويقول ماجيونكالدا إن نموذج أعمال «كورسيرا» يقوم على كورسيرا للأعمال، وكورسيرا للحرم الجامعي، وكورسيرا للحكومة. «لذلك نحن نعمل مع الشركات والجامعات والحكومات، ونحن نخدم أكثر من 3000 جامعة وشركة في هذه المنطقة؛ ولأننا نخدم الشركات، فإننا نعرف ما المهارات التي يبحثون عنها، يمكننا أن نغير مسارنا ونجعل هذه المهارات متاحة للمتعلمين».
تنوع في البرامج والتخصصات
صممت كورسيرا مسارات تعليمية متنوعة ومتخصصة تشمل مجالات حديثة مثل تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي بالتشارك مع جامعات رائدة مثل ستانفرد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد وستانفورد وغوغل ومايكروسفت، وتتسم برامجها بالمرونة كونها متاحة عبر الإنترنت في كل الأوقات وفي أي مكان.
كما تقدم المنصة تقارير أداء وتحاليل تساعد الشركات والأفراد على قياس تطور الأداء وعوائد الاستثمار التعليمي.
ومع تطورات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية باتت المواهب المؤهلة الاستثمار الأبرز، لذلك تعمل كورسيرا على إعداد فرق أشخاص قادرين على مواجهة التحديات في بيئات عمل تنافسية.
تكلفة ميسرة
تقدم منصة كورسيرا خيارات تعليمية متنوعة لكل منها هيكل رسوم خاص بها تتناسب مع مختلف الميزانيات بدءاً من الدورات المجانية والمشاريع الموجهة وصولاً إلى الاشتراكات الشهرية وبرامج الدرجات الاكاديمية الكاملة، وتتراوح الأسعار عادة بين المجانية وحتى 399 دولاراً شهرياً مع توفر العديد من الدورات الفردية غالباً بسعر 49 دولاراً كما حللها مدونة Learnopoly.
فالدورات الفردية التي تتطلب شهادات تعتبر مدفوعة مقابل رسم يتراوح بين 49 و79 دولاراً، أما المشاريع الموجهة التي تهدف الى تعلم مهارات محددة فتبدأ تكلفتها بنحو 10 دولارات لكل مشروع، أما التخصصات والشهادات المهنية فتعمل بنظام الاشتراك الشهري الذي تبدأ رسومه من 40 دولاراً شهرياً.
وتبلغ تكلفة الحصول على درجة البكالوريوس الكاملة عبر كورسيرا نحو 9,000 دولار، وهي أقل بكثير مقارنة بالرسوم الدراسية التقليدية التي غالباً ما تتجاوز 20,000 دولار.
وبالمثل، تبدأ برامج الماجستير عبر كورسيرا من 9,000 إلى 20,000 دولار، ما يوفر مرونة وتكلفة أقل مقارنة بالبدائل الجامعية التقليدية، هذه الأسعار التنافسية للتعلم تجعل من السهل على الشركات الاستثمار في تطوير مهارات فرقها وعلى الأفراد تحقيق التقدم المهني دون عبء مالي كبير.
اللغة العربية في الحسبان
تعمل منصة كورسيرا على تخصيص المحتوى باللغة العربية لتلبية احتياجات العدد الكبير من الناطقين باللغة العربية، الذين يتجاوز عددهم 400 مليون شخص حول العالم، من خلال تقديم دورات تعليمية باللغة العربية.
تشمل هذه المبادرة ترجمة المواد التعليمية، وتوفير ترجمات نصية باللغة العربية، والتعاون مع المؤسسات الإقليمية لتطوير محتوى يلبي احتياجات واهتمامات المتعلمين الناطقين بالعربية.
على سبيل المثال، تعاونت كورسيرا مع جامعة خليفة لإطلاق تخصص «اللغة العربية للمبتدئين»، المصمم لتعليم اللغة العربية الفصحى الحديثة للناطقين بغيرها.
وقال «قمنا بترجمة 4800 محتوى إلى اللغة العربية حتى يتمكن الأشخاص من فهمها إذا كانت لغتهم الأولى والوحيدة هي العربية، لكن الشيء الآخر الذي نقوم به هو أننا نعمل مع المؤسسات في المنطقة، ونعمل مع كاوست (جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية)، وجامعة خليفة، وجامعة الملك فيصل، وأرامكو السعودية وشركة الاتصالات السعودية».
«وتساعدنا المؤسسات المحلية في تخصيص محتوى الدورات لتلبية الاحتياجات المحلية».
ومن خلال تخصيص المحتوى باللغة العربية، لا توسع كورسيرا من انتشارها العالمي فحسب، بل تعمل أيضاً على تمكين المتعلمين الناطقين باللغة العربية من اكتساب مهارات ومعارف جديدة، ويعتبر ذلك خطوة في تعزيز العدالة التعليمية ودعم التنمية الإقليمية.