شكَّل فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية دفعة كبيرة لعالم العملات المشفرة بشكل عام والبيتكوين بشكل خاص، في ظل دعم الرئيس المنتخب هذه العملات بهدف إعادة التنافسية للاقتصاد الأميركي.

خلال مؤتمر « بيتكوين 2024» في ناشفيل في يوليو الماضي اقترح ترامب أربع نقاط بارزة تبدأ بإنشاء احتياطي استراتيجي ووطني من البيتكوين، وبالالتزام بسياسات داعمة للبيتكوين وصناعة العملات الرقمية، وإصلاحات تنظيمية تتضمن تبسيط اللوائح وصلاحيات لجنة الأوراق المالية والبورصات المحافظة في تعاملها مع العملات المشفرة والرقمية، وتبني الابتكار في التقنيات المالية.

وكانت شركات العملات المشفرة قد مولت نحو 44 في المئة من إجمالي الإنفاق السياسي الأميركي هذا العام وفق تقرير Public Citizen بشأن «العملات المشفرة الكبرى، الإنفاق الكبير» لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد شركات النفط على الساحة السياسية.

قيمة التمويلات

استخدمت شركات الكريبتو الكبرى أمثال ريبل وكوينبيس هذا الإنفاق لدعم المرشحين الذي تتوافق سياستهم مع أهدافهم التنظيمية، وأثار تقرير Public Citizen مخاوف من قدرة وقوة الشركات على التأثير المباشر في المشهد السياسي الأميركي.

ووصلت قيمة التبرعات السياسية المتأتية من داعمي الكريبتو إلى نحو 274 مليون دولار لغاية أب 2024.

وقامت شركات العملات المشفرة وعلى رأسها كوينبيس وريبيل بضخ أكثر من 119 مليون دولار دولار في انتخابات 2024 وتوجهت بالكامل تقريباً إلى لجان العمل السياسي الكبرى (Sper PACS) الداعمة للمرشحين المؤيدين للعملات المشفرة، والمهاجمة للمشككين فيها، أبرزها لجنة Fairshake PAC التي حصدت أكثر من نصف التمويلات (53%)، «فالمال يحرك الأمور للأفضل أو للأسوأ، هكذا يعمل نظامنا» كما قال براين أرمينستونغ الرئيس التنفيذي لكوينبيس لـAxios.

قلق ومخاوف

وبرزت إلى جانب ذلك مخاوف أخرى تمثلت في مصادر هذه الإسهامات، وقال جاكوب زوراوينسكي– نائب رئيس التسويق والمبيعات ماتر فاي MatterFi لـ CNN الاقتصادية «مكمن المشكلة الرئيسية يتمثل بعدم توفر تقنية تثبت بشكل لا يقبل الجدل الهوية الفعلية للمتبرع، وربما يكون هذا هو مصدر القلق الأكبر لأنه بسبب الافتقار إلى هذه الحلول، يمكن أن تكون دولة أجنبية معادية، أو جهات فاعلة ضارة يمكنها استخدام الأموال المشتقة بشكل غير قانوني لتسميم محفظة الحملة».

وأضاف أن «المشكلة هي أن معظم حملات التبرع تستخدم عناوين ثابتة، ما يعني أنه يمكن للجميع معرفة مقدار الأموال، ومقدار الرصيد الفعلي في تلك العناوين، وقد يؤدي ذلك إلى إثارة اهتمام كبير من المحتالين والمهاجمين الذين يمكنهم استخدام جميع أنواع نواقل الهجوم المختلفة لمحاولة الوصول إلى تلك الأموال».

وأعرب أن هناك حاجة لإيجاد «تقنية يمكنها الاتصال فعلياً بالخارج في أدلة تشفير لهويتنا جنباً إلى جنب مع محفظة العملات المشفرة الخاصة بنا حتى نتمكن فعلياً من إثبات هوية الجانب الآخر»، وذلك بهدف الالتزام بمعايير الامتثال و«اعرف عميلك» KYC.

آفاق النمو

ورغم المخاوف يشكل البيتكوين كنزاً مخفياً لأميركا اليوم الذي يصارع اقتصادها لتحقيق التنافسية المطلوبة وبحجم دين عام ناهز الـ35 تريليون دولار هذا العام.

رأى جاكوب زوراوينسكي أن إعلان ناشفيل بجعل البيتكوين احتياطياً استراتيجياً في الولايات المتحدة يتضمن فوائد عديدة لمكافحة التضخم والحد من الإنفاق العام.

وشرح أن الولايات المتحدة تمتلك أكثر من 200 ألف عملة بيتكوين، أي ما يقرب من 1 في المئة من إجمالي المعروض. وسيؤدي تخصيصه كاحتياطيٍّ استراتيجي برأيه ليس فقط إلى «تعزيز مكانة الدولار الأميركي على مستوى العالم، ولكن يمكن أن يؤدي في مرحلة ما، إلى بعض القيود على الإنفاق».

وأفاد بأنه سابقاً «لم تكن البلدان قادرة على إنفاق المزيد ولم تتمكن من طباعة النقود بحرية بسبب ارتباط الأموال بالذهب، أما مع تبني البيتكوين كاحتياطيٍّ الآن فسيكون لديها آلية جيدة جداً لمكافحة التضخم».

وتتمثل فوائد تبني البيتكوين برأيه أولاً في «تنويع احتياطيات الاقتصاد الأميركي إلى أصول عرض ثابتة لا يمكن مضاعفتها بسهولة، وثانياً تحسين الميزانية العمومية للاقتصاد الأميركي، فإن العرض الثابت يعني في النهاية أنه لا يمكن فعلياً الحصول على المزيد من عملات البيتكوين، لذلك فإن الاحتفاظ بأصول نادرة للغاية يعد أمراً جيداً للاقتصاد والخزانة لأنه إذا كان هناك شيء نادر ومرغوب فيه، فهناك احتمالات كبيرة لارتفاع سعر هذا الأصل في المستقبل» كما قال زوراوينسكي.

ومن الممكن لأميركا من خلال تبني هذه الاستراتيجيات من إعادة استقطاب شركات الكريبتو التي هجرتها بحثاً عن بيئات تحفيزية أفضل ما يمكن الاقتصاد الأميركي من الاستفادة في جذب الاستثمارات وتوسيع صناعة تعدين العملات المشفرة.

وتشير أرقام «وورلد بوبيوليشن ريفيو» World Population Review إلى أنه منذ عام 2022 شكلت أميركا نحو 37.8 في المئة من إجمالي معدل التجزئة العالمي للبيتكوين، ما يشير إلى أن جزءاً كبيراً من عمليات التعدين يتم داخل البلاد.

فوفق تقرير Chainalysis بشأن مؤشر تبني العملات المشفرة الصادر في سبتمبر الماضي تصدرت أميركا في تبني العملات المشفرة مدفوعة بمشاركة واسعة من الافراد والمؤسسات. ووصل حجم المعاملات عبر السلسلة في أميركا الشمالية إلى 1.3 ترليون دولار، ما يمثل 22.5 في المئة من المعاملات العالمية، كما لحظ التقرير زيادة ملحوظة في التمويل اللامركزي من خلال منصات التداول والإقراض اللامركزية.