ينعقد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس هذا الأسبوع، في ظروف استثنائية يشهدها العالم، على رأسها أعنف أزمة اقتصادية منذ عقد، وأزمة طاقة عالمية زادت من حدتها الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تكاد تدخل عامها الثاني.

كوب 27

وتتصدر أجندة المنتدى، الذي يستضيفه منتجع دافوس السويسري سنوياً منذ 1971، التحول نحو الطاقة النظيفة ومحاربة التغير المناخي، وهما قضيتان لا يمكن فصلهما، بحسب أنتونيا جاول، رئيسة لجنة تغير المناخ في المنتدى.

وقالت جاول في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، إن المنتدى سيناقش «دفع الحكومات والقطاع الخاص لتحول الالتزامات لخطط قابلة للتطبيق على المدى القصير».

وأبرز تلك الأهداف الحد من انبعاثات الغازات الضارة التي ترفع حرارة كوكب الأرض، والإبقاء عليها عند سقف 1.5 درجة مئوية فقط، مقارنة ببداية الثورة الصناعية قبل نحو 200 عام، بحسب اتفاق باريس للمناخ في عام 2015.

وتحذر جاول من أن العالم في طريقه للفشل في تحقيق هذا الهدف، إذ يتوقع أن ترتفع درجة الحرارة بنسبة 2.7 درجة مئوية بحلول 2100، مع استمرار كمية الانبعاثات الضارة بمستوياتها الحالية.

خسائر متصاعدة

كان العام الماضي أحد أكثر الأعوام تجسيداً للمخاطر التي يواجهها العالم بسبب التغير المناخي.

وشهدت أوروبا صيفاً هو الأكثر حرارة في تاريخها، إذ ارتفعت درجات الحرارة أكثر من ضعف المتوسط العالمي خلال الـ30 عاماً الماضية، وهو معدل أسرع من أي قارة أخرى، بحسب مركز كوبرنيكوس لإدارة تغير المناخ التابع للاتحاد الأوروبي.

كوب 28.. كل ما تريد معرفته عن مؤتمر المناخ

ويقول المنتدى الاقتصادي العالمي، إن عام 2022 شهد مضاعفة في تكاليف الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي، إذ تسببت 10 كوارث طبيعية في خسائر بقيمة 3 مليارات دولار على الأقل لكل منها، مقابل 1.5 مليار دولار لكل كارثة طبيعية في 2021.

وتسببت الفيضانات التي شهدتها باكستان في مقتل 1700 شخص وتهجير نحو سبعة ملايين آخرين.

وتتصدر الدول النامية قائمة البلدان الأكثر عرضة لمخاطر تغير المناخ، بحسب صندوق النقد الدولي، ويقيس الصندوق البلدان المعرضة لمخاطر تغير المناخ وفقاً لثلاثة مؤشرات، أولها درجة التعرض للمخاطر بسبب المناخ، والمؤشر الثاني هو عدم القدرة على التكيف مع أخطار المناخ، والمؤشر الثالث هو درجة الضعف والتأثر.

صندوق التعويضات

يأتي المنتدى الاقتصادي في دافوس هذا العام بعد شهور من توصل قمة المناخ (كوب 27) في مدينة شرم الشيخ المصرية، لاتفاق وصف بالتاريخي، لتأسيس صندوق «الخسائر والأضرار» لتعويض الدول النامية والأكثر عرضة للكوارث المناخية المتصاعدة مثل الفيضانات وموجات الجفاف الشديدة.

ولم يتناول الاتفاق المبدئي حجم الصندوق أو جدولاً زمنياً لتأسيسه، فيما تقول الأمم المتحدة إن الدول النامية تحتاج إلى 340 مليار دولار سنويًا للتأقلم مع آثار التغير المناخي حتى 2030.

ويقول محمود أبوالنجا، الباحث في مجال التغير المناخي، إن دول مجموعة العشرين الأكثر تقدماً مسؤولة وحدها عن 80% من الانبعاثات الضارة حول العالم، فيما تتسبب الدول النامية في 20% فقط.

وأضاف، في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» أن الدول النامية تتحمل فواتير ما تسببه الدول المتقدمة من تلوث.

ويتضمن الاتفاق تخصيص موارد مالية كافية من الصندوق لدعم تكاليف التأقلم مع آثار التغير المناخي.

ويقول عاصف صالح، المدير التنفيذي لمنظمة (براك) لبناء الموارد عبر المجتمعات في بنغلاديش، والمدير التنفيذي السابق لغولدمان ساكس، إن المجتمعات الأقل تلويثاً في العالم هي الأكثر عرضة لأضرار التغير المناخي.

وتحدث صالح ل«CNN الاقتصادية» قائلاً: «هنا في دكا، عاصمة بنغلاديش، ينزح نحو ألف شخص يوميًا إلى المدينة من المناطق الساحلية الجنوبية بسبب الكوارث المناخية… هؤلاء لم يتسببوا في التغير المناخي، ونمط حياتهم صديق للبيئة».

غياب التمويل.. والمصداقية

ويتفق صالح مع أبوالنجا في أن تأسيس الصندوق يعد تقدماً، لكن تحيط به الكثير من الشكوك بسبب عدم وفاء العالم بوعوده السابقة.

ويصف أبوالنجا التوصل لاتفاق بشأن الصندوق بـ«الخطوة الإيجابية، لكنها ليست كافية، إذ إن رصيد الصندوق حتى الآن «صفر».

وأضاف أن الإعلان عن حجم الصندوق ومصادر تمويله ومصارفه، وهو المتوقع مع إقامة قمة المناخ (كوب 28) في وقت لاحق من هذا العام في الإمارات، «هو ما سيحدد ما إذا كان الاتفاق على الصندوق تاريخيًا أو رمزيًا فقط».

ولفت أبوالنجا إلى فشل دول العالم في الالتزام بخطة عام 2009، التي تهدف لتخصيص نحو 100 مليار دولار سنويًا للدول الأكثر فقرًا وعرضة لآثار التغير المناخي.

كما فشلت الدول المشاركة في قمة (كوب 26)، التي انعقدت في مدينة جلاسجو في اسكتلندا، أيضاً في الوفاء بالتعهد الخاص بتخصيص نحو 40 مليار دولار سنويًا بهدف التأقلم مع التغير المناخي.

التعويضات في زمن التضخم

وسيناقش المنتدى آليات تأسيس الصندوق في ظل أزمة اقتصادية تمر بها كبرى اقتصادات العالم، مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود التي وصلت نسبة ارتفاعه إلى 60 في المئة خلال 2022.

كما ارتفع متوسط التضخم عالميًا إلى 8.8% في 2022، وذلك بحسب صندوق النقد الدولي، الذي يتوقع كذلك تراجع نمو الاقتصاد العالمي خلال العام الحالي إلى 2.7%، رغم تحقيقه معدل نمو نسبته 6 في المئة خلال عام 2021.

وتقول جاول إن المنتدى سيناقش التأقلم مع آثار التغير المناخي، وبينها قضية الخسائر والأضرار، مشيرة إلى أن «كل عام يمضي دون تحقيق تقدم يذكر في قضية المناخ هو فرصة ضائعة».

ولفتت إلى أهمية الاستثمار في مجال المناخ، مضيفة: «علينا الاعتراف بأن مواجهة التغير المناخي جزء مهم وغير منفصل عن سلامة اقتصاداتنا، على الرغم من أننا نشهد زمن ارتفاع معدلات التضخم وظروفًا اقتصادية صعبة».

وسيدعو عاصف صالح، خلال مشاركته في فعاليات المنتدى الاقتصادي في سويسرا، إلى عدم مراجعة المخصصات العالمية لمكافحة التغير المناخي بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

وأوضح: «تنفق دول العالم مليارات الدولارات على الحروب والأسلحة، لكننا لا ندخر الكثير لإنقاذ الأرواح لأن الحاجة لمكافحة تغير المناخ لا تبدو ملحة».

وأضاف: «ربما قد نبدأ وضع مشكلة التغير المناخي في قائمة أولويتنا عندما يبدأ اللاجئون في النزوح، لكن سيكون هذا هو الأمر الواقع إذا لم نتعامل مع تغير المناخ الآن، ولن تكون هناك دولة في مأمن من ذلك».

وتتضمن مقترحات توفير التمويل للصندوق الجديد، التوسع في مشاركة القطاع الخاص، وفقاً لجاول، التي أكدت أن الحكومات لا تزال تتصدر مقدمي التمويل للتحول نحو الطاقة النظيفة والتعويض عن خسائر التغير المناخي.

كما دعا أبوالنجا لتوقف الدول المتقدمة عن تقديم التمويل الأخضر للدول النامية، الذي يتم تقديمه على هيئة قروض، ما يضع الدول في «حلقة مفرغة» من الاستدانة للتعامل مع الآثار الاقتصادية للتغير المناخي.

وطالب أبوالنجا بتوفير التمويل للدول الأكثر احتياجاً في صورة منح، أو من خلال اللجوء لشطب الديون لتخفيف عبء تكاليف مواجهة الآثار الباهظة للكوارث المناخية عن كاهل تلك الدول.