شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في عدد الأشخاص المحتاجين إلى رعاية ودعم لصحتهم النفسية، ما يرجع جزئياً إلى التحديات التي واجهتها مختلف الشعوب بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عن الصعوبات التي واجهتها تلك المجتمعات بسبب جائحة كورونا.

ولكن لسوء الحظ، الوصول إلى خدمات الرعاية بالصحة النفسية ليست بمتناول الجميع وذلك لعدة أسباب؛ إمّا لكونهم متأثرين بالصورة النمطية الخاطئة عن الطب النفسي، أو أنهم غير قادرين على تحمل تكاليفها، أو في بعض الحالات، قد يجبَر البعض على الانتظار لفترات طويلة للحصول على موعد من خلال الخدمات الصحية الوطنية أو التأمين الطبي الخاص بهم، والذي لا يغطي دائماً خدمات العلاج النفسي.

ومع ذلك، فإن المزيد من الأشخاص، من جميع الأعمار، وخاصة المراهقين، يبحثون عن طرق بديلة تمكنهم من الاهتمام بصحتهم النفسية وتساعدهم في التعامل مع التحديات التي واجهوها في السنوات الأخيرة.

أحد طرق الدعم البديلة هذه هي وسائل التواصل الاجتماعي، منصات عديدة مثل «إنستغرام» و«يوتيوب» و«تيك توك»، لديها آلاف الخبراء والهواة الذين يشاركون المعلومات حول العديد من المواضيع المتعلقة بالصحة النفسية ويقدمون النصائح والأدوات لمحاولة مواجهة الأعراض والتحكم بها في المستقبل.

أصبح هذا سائداً لدرجة أن وسم #mentalhealth أي #الصحة_النفسية على «تيك توك» قد جمع ما يقرب من 75 مليار مشاهدة وأكثر من 46 مليون مشاركة على «إنستغرام».

وعندما تكون هناك «صيحات» بهذا الحجم، تؤثر على عدد كبير من الناس على مستوى العالم، فمن المهم أن نأخذ في عين الاعتبار تأثير كل هذه المعلومات غير الخاضعة للرقابة على الأشخاص، وخاصة أولئك الذين قد يكونون في حالة عقلية أو نفسية هشة أو شائكة، سنفعل ذلك من خلال تفحص فوائد وأضرار هذه الموجة الافتراضية علينا، وخاصة على جيل الشباب.

الفوائد

أولاً، نظراً لأن المزيد من الأشخاص يناقشون مخاوفهم المتعلقة بالصحة النفسية عبر الإنترنت، فإنهم يساهمون بشكل فعّال في تقليل وصمة العار والمحظورات المجتمعية المتعلقة بقضايا الصحة النفسية، كما يلجأ العديد من المشاهير والمدربين والاستشاريين والمدونين وغيرهم بشكل متزايد إلى الحديث في العلن عن معاناتهم المتعلقة بالصحة النفسية، مستخدمين منصاتهم للصورة النمطية الخاطئة المتعلقة بمشاكل الصحة النفسية، أو طلب المساعدة.

ثانياً، يتيح لنا استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الوصول إلى محتوى ملهم وتحفيزي يمكنه تحسين الحالة النفسية من خلال الموارد ذات الصلة، يمكن للمستخدمين اختيار المحتوى الذي يرغبون في استهلاكه وإدارة هذه التفاعلات للتأكد من حصولهم على تجربة إيجابية.

الأضرار أو العيوب

إن أهم العناصر التي يجب استخلاصها من هذا البحث هي الاعتراف بأن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي يحتاج إلى رقابة وإعادة فحص للتأكد من دقته وموثوقيته ولا ينبغي أبداً استخدامه ليحل محل العلاج أو خدمات الصحة النفسية المهنية والمتخصصة الأخرى.

نحتاج جميعاً إلى توخي الحذر وإعمال العقل والضمير بشكل كبير عند تصفح وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على نصائح حول الصحة النفسية، هذه القضايا معقدة ودقيقة، وغالباً ما تكون شائكة للغاية، ولا ينبغي التعامل معها بنفس طريقة تصفح توجهات الموضة ونصائح العطلات.

علاوة على ذلك، كآباء وأمهات، نحتاج إلى أن نكون يقظين للغاية بشأن المحتوى الذي يستهلكه أطفالنا حتى لا ينخرطوا في التشخيص الذاتي أو التصنيف الذاتي لمجرد أن المؤثر أو المدون المشهور يضع معلومات حول حالة نفسية معينة.

أخيراً وليس آخراً، من المهم أن نضع في اعتبارنا أن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي هو في أحسن الأحوال تثقيف نفسي ويجب ألا يحل محل العلاج الفعلي للمحتاجين، وفي كل الأحوال، يرجى دائماً التأكد والتحقق من بيانات الاعتماد وخبرة الشخص الذي يشارك المحتوى، كما يجب الانتباه جيداً إلى كيفية عرض المحتوى (هل هو تعليمي أم ترفيهي؟) وهل يقدمون ادعاءات ووعوداً كاذبة حول معالجة جميع مشاكلك بدلاً من مشاركة حقائق واقعية وموضوعية وتجريبية مستمدة من البحث، أم يقدمون ذلك كرأي وخبرة شخصية فقط.

صحتك وتجربتك النفسية هي فريدة من نوعها، وبالتالي لا يمكن تعميمها في إعلانات وحلول بحجم مقاطع فيديو مدتها لا تتخطى الثلاثين ثانية.

(د. ثمينة شهيم، مستشارة إدارية – برامج القيادة والتطوير في (Shape Talent)، وهي أيضاً أستاذة في علم النفس والقيادة، ومدربة في القيادة العصبية وعميدة سابقة ومديرة تنفيذية لكلية إدارة أعمال عالمية، تتركز اهتماماتها البحثية في مجال تحويل الهوية وتقوية التحول الثقافي مثل تلك التي يعيشها المغتربون.

ثمينة مؤلفة ومتحدثة رئيسية على مدى العقدين الماضيين، عملت في العديد من القطاعات والبلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا وهولندا والإمارات العربية المتحدة وبريطانيا، في يوم المرأة العالمي في عام 2018، تم تكريم الدكتورة شهيم من قِبل عمدة لندن لمساهمتها غير العادية في بريطانيا).

الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي «CNN الاقتصادية».