بعد عزلة مالية امتدّت لأكثر من عقد، تستعد سوريا خلال أسابيع قليلة للعودة جزئياً إلى شبكة SWIFT للتحويلات المصرفية العالمية، بحسب ما أكده حاكم مصرف سوريا المركزي في تصريح لصحيفة Financial Times.. ورغم أن هذه الخطوة لا تزال جزئية ومشروطة، فإنها تحمل دلالات عميقة حول تغير محتمل في علاقة دمشق بالمنظومة المصرفية الدولية، وتفتح باب التساؤل حول الأثر الاقتصادي المنتظر لعودة تدريجية إلى النظام المالي الرسمي.
ما هي SWIFT ولماذا الخروج منها يعني الشلل المالي؟
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
شبكة SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) ليست مجرد وسيلة تقنية لتحويل الأموال، بل هي الركيزة الأساسية التي تقوم عليها معظم التعاملات البنكية الدولية؛ فمن خلال هذه الشبكة تتبادل البنوك الرسائل المشفرة التي تحتوي على تعليمات دقيقة بشأن قيمة التحويل، والطرف المستلم، والعملة، والتوقيت.
ويُستخدم النظام من قبل أكثر من 11,000 مؤسسة مالية في أكثر من 200 دولة، ويتم عبره تمرير أكثر من 42 مليون رسالة يومياً، ما يجعله الأداة المركزية لحركة الأموال في الاقتصاد العالمي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
وبالتالي، فإن حرمان أي دولة من استخدام SWIFT لا يعني فقط تعطيل الحوالات، بل هو بمثابة إقصاء كامل من الأسواق العالمية.
الخروج من SWIFT.. كيف عُزل الاقتصاد السوري؟
في عام 2011، ومع بداية النزاع في سوريا، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزمة من العقوبات المالية الشاملة على دمشق، شملت تجميد الأصول، ومنع التعامل مع البنوك السورية، وإدراج مصرف سوريا المركزي على لوائح العقوبات.
ونتيجة لهذه الضغوط، اضطرت شبكة SWIFT، التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها، إلى فصل البنوك السورية عن النظام، رغم أنها ليست جهة أميركية.
لكن لماذا خضعت SWIFT؟
الجواب يكمن في هيمنة الدولار؛ أكثر من 88% من التحويلات الدولية تتم بعملة الدولار الأميركي، وكل دولار يمرّ عبر النظام المصرفي الأميركي. وبالتالي، فإن أي مؤسسة مالية تتجاهل العقوبات الأميركية، حتى خارج الولايات المتحدة، قد تُحرم من الوصول إلى الدولار، وهو تهديد يوازي إنهاء وجودها.. وهكذا، تحولت SWIFT إلى أداة ضغط مالية استراتيجية بيد واشنطن، دون أن تملكها فعلياً.
الأثر الاقتصادي.. تحويلات مقطوعة ونظام مصرفي مشلول
كانت لتحويلات المغتربين السوريين دورٌ أساسي في دعم الاقتصاد الوطني، خصوصاً في ظل تراجع الصادرات والسياحة. قبل 2011، قدّرت تحويلات السوريين في الخارج بنحو 1.5 إلى ملياري دولار سنوياً، وفق بيانات البنك الدولي، لكن بعد العزل المصرفي، توقفت معظم القنوات الرسمية، وأُجبر السوريون على اللجوء إلى السوق السوداء، ما فتح الباب أمام تقلبات خطيرة في سعر الصرف، وغذّى الاقتصاد غير الرسمي.
أضف إلى ذلك تقييد الواردات، واستحالة فتح اعتمادات مستندية أو إجراء تسويات بالدولار، ما دفع معظم الشركات السورية إما للإغلاق أو التعامل عبر وسطاء خارجيين بتكاليف إضافية باهظة.
ما الذي تغيّر اليوم؟
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية مؤخراً عن تسهيلات مالية محدودة، تشمل السماح بإعادة فتح قنوات اتصال مصرفي جزئي عبر شبكة SWIFT لعدد محدود من البنوك السورية، ولأغراض إنسانية أو مدنية غير خاضعة للعقوبات.
وقد أكّد حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية أن دمشق تستعد، خلال أسابيع، للعودة الجزئية إلى النظام، ما يعني عملياً استئناف جزء من الحوالات الرسمية، وإمكانية تنفيذ بعض العمليات التجارية البسيطة.
وقد سبق لحاكم مصرف سوريا المركزي أن صرّح في مقابلة خاصة مع "CNN الاقتصادية" بأن رفع العقوبات هو أهم يوم للاقتصاد السوري منذ يوم التحرير، مشيراً في حينه إلى أن العمل جارٍ على إعادة ربط البلاد جزئياً بشبكة SWIFT كأولوية اقتصادية.
أما في تصريحه الأحدث لصحيفة Financial Times فقد أكد أن عودة سوريا إلى SWIFT باتت أقرب من أي وقت مضى، مع توقّعات بأن تبدأ المرحلة الأولى خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهو ما يضع هذه الخطوة في إطار عملي وليس فقط ضمن النوايا السياسية أو التوجهات العامة.
مكاسب محتملة… ولكن بشروط
رغم محدودية الخطوة، فإنها تحمل دلالة سياسية واقتصادية لافتة؛ عودة ولو جزئية إلى SWIFT قد تمهّد الطريق أمام رفع تدريجي للعقوبات المالية، خاصة في ظل التغيرات الإقليمية، وتنامي الدعوات الأوروبية والعربية لإعادة دمج سوريا اقتصادياً لأسباب إنسانية واستقرار أمني.
لكن أي توسّع إضافي سيظل مرهوناً بالتطورات السياسية، ومدى التزام دمشق بالإصلاحات أو التفاهمات الدولية، فضلاً عن موقف المؤسسات المالية العالمية.