في الأسابيع الأخيرة، تصاعد الخلاف العلني بين أغنى رجل على وجه الأرض، إيلون ماسك، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.. مشادة علنية امتدت من التصريحات الصحفية إلى التغريدات الهجومية على منصة X، في مشهدٍ استثنائي جمع رأس المال ورأس الدولة في صراع مفتوح.. لكن وسط كل هذا الضجيج، هناك قصة لم تُروَ بعد؛ فالخلاف الذي بدا ظاهرياً وكأنه نزاع على السيارات الكهربائية يخفي خلفه مواجهة حقيقية تدور حول وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»… ومستقبل الهيمنة على الفضاء.
السطح: السيارات الكهربائية وتفويض إلزامي
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1738926244764-0'); });
بدأ التوتر بعد تمرير إدارة ترامب مشروع قانون يشمل، من ضمن بنوده، إلغاء أو تقليص الحوافز الضريبية المرتبطة بالسيارات الكهربائية.. هذا الإجراء يُعد جزءاً من إعادة توجيه سياسة الطاقة في الولايات المتحدة، ويقترن بتقليص التفويض الفيدرالي (EV mandate) الذي كان يلزم الشركات بإنتاج نسبة محددة من المركبات الكهربائية.
شركة «تسلا»، التي كانت المستفيد الأكبر من هذه الحوافز، رأت في الخطوة تهديداً مباشراً.. وردّ ماسك، عبر عدة تغريدات مهاجماً إدارة ترامب، مشيراً إلى «النكوص عن المستقبل» و«قتل الابتكار لصالح شركات النفط والسيارات التقليدية».
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1739447063276-0'); });
لكن هذا لم يكن سوى رأس جبل الجليد.
العمق: صراع على قيادة ناسا
في الفترة الأخيرة، طرحت الإدارة الأميركية اسماً جديداً لتولي رئاسة وكالة «ناسا»، وهو جارد إسحقمان، ملياردير ورائد فضاء خاص شارك في مهمات سابقة عبر شركة SpaceX، ويتمتع بعلاقة قوية مع إيلون ماسك.
وجود إسحقمان على رأس ناسا كان سيمنح ماسك –عبر SpaceX– نفوذاً غير مسبوق في قرارات الوكالة، من العقود الفضائية، إلى الأولويات التقنية، إلى تخصيص الميزانيات؛ فـSpaceX ليست فقط المزود الرئيسي لخدمات الإطلاق، بل تمثل العمود الفقري الحالي للبنية التحتية الفضائية الأميركية، خاصة في ظل تأخر مشاريع بديلة من شركات مثل Boeing وBlue Origin.
لكن ترشيح إسحقمان لم يدم طويلاً، إذ قامت إدارة ترامب بسحب اسمه بهدوء، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً.. السبب المعلن؟ تبرعاته السابقة للحزب الديمقراطي، واعتبارات «الحياد المؤسسي» داخل الوكالة.. ماسك بدوره لم يصمت، وعبّر عن امتعاضه العلني، قائلاً إن «القرار غير عقلاني ويضر بمصالح الولايات المتحدة في الفضاء»، وتبع ذلك تبادل تصريحات ساخنة بينه وبين ترامب، بلغت حد الإهانات الشخصية.
الفضاء.. السوق الأكثر تنافسية في القرن
الرهان هنا ليس صغيراً؛ فبحسب تقارير مؤسسات مثل Morgan Stanley، يُتوقع أن يصل حجم قطاع الفضاء العالمي إلى تريليون دولار بحلول 2040.
ويُنظر إلى الفضاء اليوم على أنه «البنية التحتية الأحدث» لكل ما يتعلّق بالمستقبل؛ من الإنترنت، إلى الذكاء الاصطناعي، إلى الأمن القومي... بعبارة أخرى: من يملك المدار، يملك الأرض.
ميزانية ناسا.. ساحة المواجهة الجديدة
كجزء من مشروع الموازنة الجديد، طرحت إدارة ترامب خفضاً كبيراً في ميزانية «ناسا» يتضمن إلغاء عشرات المشاريع العلمية وتسريح آلاف الموظفين.
في المقابل، دعت الإدارة إلى زيادة دور القطاع الخاص، لكن دون تسليم النفوذ الكامل لماسك.. هذا التناقض أثار غضب الأوساط العلمية، كما خلق ارتباكاً في العلاقة بين الحكومة وSpaceX، التي كانت حتى الآن اللاعب الرئيسي في برنامج «أرتميس» للعودة إلى القمر.
في النهاية.. ليست معركة سيارات
رغم كل العناوين التي ربطت الخلاف بين ترامب وماسك بالسيارات الكهربائية أو الضرائب، فإن جوهر القضية أعمق بكثير.. إنها معركة على من يقود وكالة الفضاء في لحظة تاريخية، ومن يتحكّم بمستقبل الوصول إلى المدار، ومن يحدّد أجندة الفضاء الأميركي لعقود قادمة.
إنها، ببساطة، معركة بين من يملك الثروة… ومن يملك القرار.