«الاستثمار لدعم البنية التحتية في سوريا مطلوب فوراً» يقول نائب رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، جيل كاربونييه، في مقابلة حصرية مع «CNN الاقتصادية»، «تعرضت تركيا وسوريا لزلزالين بفارق تسع ساعات، بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، أدّيا إلى مقتل وإصابة الآلاف، في وقت لا يزال المئات في عداد المفقودين».
ويأتي هذان الزلزان ضمن قائمة أقوى الزلازل منذ نحو القرن من الزمان، بحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، وبالتحديد في الترتيب الخامس بقائمة أشد الزلازل في القرن الحادي والعشرين.
ومع ارتفاع حصيلة الضحايا وتبيان حجم الأضرار التي تسبب بها زلزال سوريا تحديداً، أشار كاربونييه إلى وقوع أضرار جسيمة في عدد من الطرق الرئيسية، وفي شبكتي الكهرباء والهاتف.
وقد سجلت شركة مياه الشرب في سوريا انهياراً، وتضرر عدد كبير من خزانات المياه وأنابيب الضخ.
وكانت وكالة «فيتش» قد قدّرت قيمة الخسائر المادية الناجمة عن زلزالي تركيا وسوريا بين ملياري دولار وأربعة مليارات دولار.
تأتي هذه الأرقام لتُضيف أعباءً إضافية على واقع الاقتصاد السوري الذي ينزف منذ بدء الحرب عام 2011، والتي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 400 ألف شخص، وتشريد ما يقارب 12 مليوناً آخرين في الداخل والخارج.
وأسهمت العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وتداعيات أزمة كورونا على القطاعات المالية، وارتفاع أسعار الفائدة لدى المصارف المركزية في السنوات القليلة الماضية، في تعميق الأزمة الاقتصادية السورية.
وأدّت تلك العوامل مجتمعة إلى خسارة الليرة السورية نحو 99.3 في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ اندلاع الحرب عام 2011.
وفيما لا تتوافر بيانات حديثة عن التضخم في سوريا على الموقع الرسمي للمكتب المركزي للإحصاء، تعود أحدث البيانات المنشورة إلى نهاية عام 2020، والتي تظهر تصاعد التضخم السنوي في البلاد إلى نحو 163 في المئة.
أمّا أسعار المواد الغذائية، فقفزت إلى ما يقارب 12 ضعفاً خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أدى إلى بلوغ سوريا المركز السادس عالمياً من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي.
وتعقيباً على الواقع المستجد في سوريا عقب الزلزال، أوضح نائب رئيس الصليب الأحمر الدولي «أن الزلزال المدمر وقع بعد 12 عاماً شهدت فيها سوريا حرباً ضروساً، جعلت أكثر من 12 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي، وما يقرب من ثلثي الشعب السوري بحاجة إلى مساعدات إنسانية».
وأضاف أن الزلزال لعب دوراً في تفاقم الأزمة الاقتصادية، وأوهن الشعب السوري، كما تسبب في القضاء على البنية التحتية التي كانت على حافة الانهيار.
وتابع كاربونييه قائلاً «إن قنوات المياه دُمرت بشكلٍ شبه كلي، ومن الضروري العمل بشكل سريع على إعادة تأهيلها. كما يجب العمل على تحسين قطاع الصحة، الذي كان يعاني ضعفاً قبل وقوع الزلزال».
ونبّه الصليب الأحمر إلى خطر عودة انتشار مرض الكوليرا إلى الواجهة بعد ما ظنت المنظمات الإنسانية أنها تخلصت منه.
بدوره، أكد عميد معهد باريس للشؤون الدولية، غسان سلامة، في حديث مع «CNN الاقتصادية»، أن المعضلة التي تواجهها عملية إغاثة المنكوبين بعد الزلزال الكبير في سوريا، هي أن المنظمات الإنسانية لم تعد لها إمكانية الحصول على التمويل اللازم، وبعضها بعيد عن تأمين المبالغ التي تهدف إلى جمعها.
ورجّح سلامة أن تكون الأزمة الاقتصادية وضعف النمو في الاقتصادات العالمية، لا سيما في الدول المتقدمة، قد أسهما في تراجع التضامن من اللاجئين والمنكوبين داخل الأسرة الدولية، على حدّ تعبيره.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت في العاشر من شباط فبراير 2023 أن عقوبات الولايات المتحدة المفروضة على سوريا لن تنطبق على المعاملات المتعلقة بتقديم المساعدات المتعلقة بالزلزال حتى الثامن من أغسطس 2023.
وأشار النائب الأول لوزير الخزانة، أديوال أدييمو، إلى أن الترخيص الممنوح لا يغطي الإجراءات المتعلقة ببيع النفط السوري والمنتجات البترولية في الولايات المتحدة، كما أنه لا ينطبق على الأشخاص الذين أشارت السلطات الأميركية إلى ممتلكاتهم سابقاً على أنها «ممتلكات محظورة».
التصريحات الأميركية أثارت تساؤلات حول إمكانية بدء واشنطن في تمويل مشاريع إعادة الإعمار التي كانت تمثل تحدياً قبل الزلزال، لا سيما أن الحرب السورية أدت إلى دمار كبير في الأبنية والمنشآت العامة، وأخرجت البنية التحتية عن العمل في كثير من القطاعات، وجاء الزلزال المدمّر ليزيد الطين بلة.
فهل الولايات المتحدة تفتح الطريق أمام آلية لوضع البنية التحتية في سوريا على سكة الإعمار؟