يقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على عتبة نقطةٍ حرجة، بعد الضربة التي تلقاها بانهيار «بنك سيليكون فالي»، إذ يكابد من أجل إيجاد نقطة توازن بين مطرقة «التضخم» وسندان «انهيار الجهاز المصرفي»، في ظل مساعيه لتفادي شبح الركود.
ويجد الفيدرالي الأميركي نفسه تحت وطأة ضغوط عدة تجعل من قراره رفع الفائدة مجدداً لمكافحة التضخم تصعيداً لمخاطر قد تنعكس على قطاعات أخرى.
يأتي هذا في ظل تراجع معدلات التضخم خلال شهر فبراير شباط بمقدار 0.4 في المئة لتصل إلى 6 في المئة، مقارنة بنسبة 6.4 في المئة في يناير كانون الثاني.
وتضاربت آراء محللين تحدثوا لـ«CNN الاقتصادية»، بشأن ما إذا كان الفيدرالي سيتمسك بسياسته المتشددة بهدف الاستمرار في كبح جماح التضخم، أم سيتراجع عنها خوفاً من انهيارات مصرفية جديدة.
ووفقاً لمؤشر «سي.إم.إي فيد وتش»، فقد توقع 21.8 في المئة من المحللين إعلان الفيدرالي تثبيت سعر الفائدة في اجتماعه الأسبوع المقبل، في حين يتوقع 78.2 في المئة رفع الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
وكان الاحتياطي الفيدرالي تمسّك بسياسته المتشددة، ورفع نسب الفائدة في معركته العنيفة ضد التضخم، ونجح بالفعل في خفض معدلات التضخم من 9 في المئة يونيو حزيران الماضي إلى 6 في المئة في فبراير شباط، لكن هذه المعدلات تبقى بعيدة عن هدف الفيدرالي وهو استقرار نسبة التضخم عند 2 في المئة.
وخلال شهادته أمام مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي، أكد جيروم باول رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي أن مهمة مكافحة التضخم لم تنتهِ بعد، وأن أسعار الفائدة من المرجح أن تكون أعلى مما كان متوقعاً.
ثم عاد الفيدرالي وطمأن المستثمرين بقوله إنه لم يتخذ بعد قراره بشأن نطاق زيادة أسعار الفائدة في اجتماع مارس آذار، ترقباً لقراءة مزيد من البيانات.
وعادة ما يراقب الفيدرالي الكثير من المؤشرات المحورية التي تؤثر بشكل مباشر على سياسته النقدية مثل بيانات الوظائف الأميركية، ومؤشر أسعار المستهلك الأميركي، وبيانات البطالة، لأن كل مؤشر يدفع الفيدرالي لتحرك قد يختلف عن الآخر.
القطاع المصرفي يدخل المعادلة
وأثار انهيار «بنك سيليكون فالي» المفاجئ -وهو أكبر فشل مصرفي منذ الأزمة المالية عام 2008- تساؤلات بشأن ما إذا كان القطاع المصرفي سيدفع ثمن السياسات المتشددة التي ينتهجها الفيدرالي.
تشير العضو المنتدب بشركة «جلف كابيتال» ورئيس قسم أفريقيا، ميراي ذكي، إلى أن «رؤوس أموال البنوك تتكون من أرصدة المودعين، ويحتفظ كل بنك بنسبة تتراوح بين 12 و18 في المئة من إجمالي الأرصدة المالية كاحتياطي إلزامي له، بينما يستثمر النسبة المتبقية بطرق مختلفة مثل الإقراض وشراء السندات الحكومية وغيرهما».
وقالت ميراي لـ«CNN الاقتصادية» إن رفع أسعار الفائدة الأميركية يتطلب إعادة ترتيب كل بنك محفظته الاستثمارية، إلّا أن الزيادات السريعة حالت دون قدرة بنك سيليكون فالي على مواكبة تلك التغيرات.
وذكرت أن بنك «سيليكون فالي» الذي يصنف في المرتبة السادسة عشرة في ترتيب البنوك الأميركية أراد بيع سندات وأصول بمقدار 21 مليار دولار، لكن البيع سبّب فجوة مالية بمقدار نحو 1.8 مليار دولار، وهو ما دفع المودعين لسحب ودائعهم.
يأتي هذا في ظل توقعات صدرت عن مصرفي «غولدمان ساكس» و«باركليز» قدرت وقف الاحتياطي الفيدرالي دورة التشديد النقدي مؤقتاً.
وتتزايد المخاوف بشأن انتشار العدوى بين البنوك الأخرى بسبب عدم قدرتها على مجاراة الزيادات السريعة لأسعار الفائدة، وهو ما يضع عبئاً جديداً على كاهل الفيدرالي.
ولكن جاء خطاب الرئيس الأميركي جو بايدن في أعقاب الأزمة المصرفية مطمئناً إذ قال «نظامنا المصرفي آمن».
توقعات الخبراء
وعلى صعيد التوقعات بشأن رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة، توقّع هاني جنينة المحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة، أن يخفف الفيدرالي من حدة سياسته النقدية بتثبيت سعر الفائدة أو رفعها بمقدار ربع نقطة مئوية فقط.
ووصف جنينة المشهد المصرفي المستقبلي في الولايات المتحدة بـ«الركودي بطبعه».
وأوضح جنينة في تصريحات لـ«CNN الاقتصادية»، أن البنوك ستبدأ في التحوط في الإقراض لضمان امتلاكها سيولة نقدية كافية، ما يؤدي إلى تقليل فرص الاقتراض، وبالتالي تحجيم السيولة وخفض حدة التضخم حتى دون اللجوء إلى رفع الفائدة.
ويرى جنينة أن سياسة رفع الفائدة خلال العام الماضي لم تكن هي السبب الرئيسي وراء الأزمة المصرفية، ولكن ترجع إلى ما سبقه من سياسة التيسير الكمي على مدار 12 عاماً منذ الأزمة المالية عام 2008، إذ هي السبب وراء الاعتياد على «الأموال السهلة».
وأضاف جنينة «كانت شركات سيليكون فالي تعتمد على رأس المال المخاطر، ولكن سياسة الفيدرالي المتشددة بالقطاع المصرفي فاجأت الجميع».
وتبقى الكلمة الأخيرة للفيدرالي بشأن ما إذا كان سيتمسك بسياسته المؤلمة التي نجحت بالفعل في كبح جماح التضخم، أم سيسعى إلى التمهل لترميم الشقوق الحادثة في القطاع المصرفي الأميركي.
(شاركت في التغطية ياسمين سليم)