فاجأت دول في أوبك+ العالم هذا الأسبوع بخفض غير متوقع في إنتاج النفط تجاوز الـمليون برميل يومياً، في خطوة قال قادة التحالف إنها ضرورية لاستقرار سوق الطاقة العالمية، لكنها أثارت انقسام المحللين، الذين يرى بعضهم أنها قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار الخام وتؤجج التضخم في أنحاء العالم، ما قد يُعقد جهود البنوك المركزية لاحتواء مخاطر ارتفاع الأسعار.
فهل تضر جهود «أوبك+» بالاقتصاد العالمي؟ أم أن صانع القرار في كبار الدول المنتجة للنفط ينظر إلى الأمور من زاوية أولويات مختلفة، تأخذ في الحسبان عوامل لا تقف عند أزمة التضخم المتفجرة منذ اندلاع الحرب الأوكرانية أوائل عام 2022؟
قرار «أوبك+»، المسؤولة عن أكثر من نصف إنتاج النفط العالمي، يصل بإجمالي التخفيضات من مايو أيار حتى نهاية 2023 إلى 1.66 مليون برميل يومياً، وقد دفع العقود الآجلة للخام إلى الارتفاع بنسبة وصلت إلى ثمانية في المئة خلال تداولات الاثنين، بينما رفع «غولدمان ساكس» توقعاته لخام برنت إلى 95 دولاراً للبرميل بنهاية العام وإلى 100 دولار بحلول أوائل 2024.
يأتي انتعاش أسعار النفط بعدما سجلت أدنى مستوى لها في 15 شهراً منتصف مارس آذار، الذي شهد انخفاض خامي برنت وغرب تكساس الوسيط خمسة في المئة واثنين في المئة على الترتيب، في أكبر تراجع لهما منذ نوفمبر تشرين الثاني.
ولم تتوقف آثار القرار عند حدود سوق الطاقة، فقد أصبحت الأسواق ترى احتمالية نسبتها 58 في المئة أن يرفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس في اجتماعه القادم، ارتفاعاً من 47 في المئة قبل قرار «أوبك+»، بينما قلص المستثمرون توقعاتهم لفرص عدم تغيير سعر الفائدة لتصبح 41 في المئة، انخفاضاً من 52 في المئة، بحسب أداة CME FedWatch Tool التي ترصد احتمالية قرارات الفائدة الأميركية.
الأثر الفوري للقرار على سوق النفط والأسواق المالية عموماً قد يؤيد بواعث القلق من أن يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم وكبح النمو، لكن السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، تقول إن القرار خطوة استباقية لا بد منها لضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية.
«جهوزية أوبك+»
وفي مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، أشار بشار الحلبي، محلل أسواق الطاقة والنفط لدى «أرجوس ميديا» إلى أن قرار «أوبك+» يمكن تفسيره كخطوة استباقية لحماية أسعار النفط من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها الغرب.
وتابع «تعكس هذه الخطوة مرونة من قبل أعضاء أوبك+، فالقرار لم يتخذ على صعيد المنظمة ككّل، ولكن بشكل فردي وطوعي».
«أظهرت المجموعة جهوزيتها لتغيير القرارات التي اتخذت في حال أصبحت الأسواق بحاجة لكميات أكبر من النفط، لأن اتخاذ القرارات بشكل فردي يساعد على التراجع عنها بشكل أسهل».
«لا نية لرفع الأسعار»
في المقابل، يرى وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق لدى «إكسنيس»، أن البنوك المركزية تخشى حدوث المزيد من صدمات المعروض في السلع الأساسية، فيما تكابد ويلات التضخم.
وأضاف أن ارتفاعاً آخر في أسعار النفط يمكن أن يصعب من مهمة البنوك المركزية، لا سيما أن التكاليف قد تعاود الصعود في قطاعات التصنيع بعدما بدأت تتراجع بشكل ملحوظ خلال الأشهر الماضية.
وقال «قرار «أوبك+» يهدف إلى تحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة على المدى الطويل، ولا نية لرفع الأسعار من خلاله»، مضيفاً أن البنوك المركزية بانتظار بياناتها الاقتصادية لاتخاذ القرار بشأن معدلات الفائدة.
«خطوات أميركية للتخفيف»
من جانبها، توقعت فرح مراد، خبيرة تحليل الأسواق في «اكس تي بي مينا» أن يدعم قرار دول «أوبك+» أسعار النفط خلال هذا العام، ما سيزيد من الضغوط التضخمية على نطاق عالمي ويضعف جهود البنوك المركزية لإبقاء الأسعار تحت السيطرة.
وقالت «الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية الرئيسية الأخرى قد تضطر إلى الحفاظ على سياساتها النقدية التقييدية في هذا الصدد»، مضيفة أنه يمكن للحكومة الأميركية وغيرها اتخاذ خطوات للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار، منها تحرير كميات من الخام من احتياطياتها الاستراتيجية.
تقول الولايات المتحدة إن العالم بحاجة إلى أسعار نفط أقل لدعم النمو الاقتصادي وحرمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أموال إضافية قد يستخدمها في تمويل الحرب في أوكرانيا، وتقول السعودية إن الخفض الطوعي إجراء احترازي يرمي إلى دعم استقرار سوق النفط، وما بين الرؤيتين ستتحدد مصائر الاقتصاد العالمي وسط تضخم جامح تسعى البنوك المركزية لاحتوائه، وبواعث قلق من تراجع في الطلب العالمي على الطاقة تسعى الدول المنتجة لتحاشي عواقبه.